للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

( ... "وقد تركت فيكم ما لن تضلوا بعده إن اعتصمتم به كتاب اللَّه وأنتم تسألون عني فما أنضم قائلون"، قالوا: نشهد أنك قد بلغت وأديت ونصحت) (١).

ولا شكَّ أن تبليغه -صلى الله عليه وسلم- كما سبق تقريره شامل للألفاظ والمعاني.

ما جاء عن عائشة (٢) -رضي الله عنها- أنها قالت لمسروق (٣): (من حدثك أن محمدًا -صلى الله عليه وسلم- كتم شيئًا مما أنزل عليه فقد كذب، واللّه يقول: {يَاأَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ} [المائدة: ٦٧] الآية" (٤).

وقد دل قول عائشة -رضي الله عنها- على نفي الكتمان عن النَّبِيّ -صلى الله عليه وسلم- ومن المعلوم أن عدم بيان معاني ألفاظ الوحي من أعظم الكتمان.

يقول الإمام ابن القيم: "وشهد له أعقل الخلق وأفضلهم وأعلمهم بأنه قد بلغ، فأشهد اللَّه عليهم بذلك في أعظم مجمع وأفضله، فقال في خطبته بعرفات في حجة الوداع: "إنكم مسؤولون عني فماذا أنتم قائلون"، قالوا: نشهد أنك بلغت وأديت ونصحت، فرفع إصبعه إلى السماء


= الجليل، أحد المكثرين عن النَّبِيّ -صلى الله عليه وسلم-، توفي -رضي الله عنه- سنة (٧٨ هـ). [انظر ترجمته في: الاستيعاب (١/ ٢١٩ - ٢٢٠)، والإصابة (١/ ٢١٤)].
(١) رواه مسلم في صحيحه (٢/ ٨٩٠)، برقم (١٢١٨).
(٢) هي: أم المؤمنين، عائشة بنت أبي بكر الصديق عبد اللَّه بن عثمان بن عامر القرشية التيمية، أم عبد اللَّه، وأمها أم رومان بنت عمير بن عامر، ولدت بعد البعثة سنين وقيل خمس، وكانت من أفقه الصحابة وأكثرهم رواية للحديث، روى عنها جمع من الصحابة والتابعين، توفيت بالمدينة سنة ٥٨ هـ، وقيل: ٥٧ هـ. [انظر: الطبقات الكبرى (٨/ ٥٨)، والإصابة (٨/ ١٣٩)].
(٣) هو: مسروق بن الأجدع الهمداني، أبو عائشة الكوفي، الإمام القدوة العلم الفقيه، حدث عن جملة من الصحابة -رضي الله عنهم- قال ابن معين: (مسروق ثقة لا يُسأل عن مثله)، مات سنة اثنتين وستين. [انظر ترجمته في: السير (٤/ ٦٣)، وتذكرة الحفاظ (١/ ٤٩)].
(٤) صحيح البخاري، كتاب التفسير، باب: قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ .... } (٤/ ١٦٨٦)، برقم (٤٣٣٦)، ومسلم في صحيحه، باب: معنى قول اللَّه -عَزَّ وَجَلَّ-: {وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى (١٣)} (١/ ١٥٩)، برقم (١٧٧).