للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والمعتزلة (١) وأتباعهم، يقولون: إن ما قاله له تأويلات تخالف ما دل عليه اللفظ، وما يفهم منه، وهو وإن كان لم يبين مراده، ولا بيَّن الحق الذي يجب اعتقاده، فكان مقصوده أن هذا يكون سببًا للبحث بالعقل حتَّى يعلم الناس الحق بعقولهم، ويجتهدوا في تأويل ألفاظه إلى ما يوافق قولهم؛ ليثابوا على ذلك، فلم يكن قصده لهم البيان والهداية، والإرشاد والتعليم، بل قصده التعمية والتلبيس، ولم يعرفهم الحق حتَّى ينالوا الحق بعقلهم، ويعرفوا حينئذٍ أن كلامه لم يقصد به البيان، فيجعلون حالهم في العلم مع عدمه خيرًا من حالهم مع وجوده" (٢).

خامسًا: دلت القاعدة على إبطال قول الرافضة الذين يدعون أن الرسول -صلى الله عليه وسلم- بلغ جزءًا من الشريعة وكتم الباقي، وأودعه الإمام عليًا -رضي الله عنه- فأظهر علي منه جزءًا في حياته وعند موته أودعه الحسن، وهكذا كل إمام يظهر منه جزءًا حسب الحاجة ثم يعهد بالباقي لمن يليه إلى أن صار عند إمامهم المنتظر (٣).

يقول الإمام ابن تيمية رحمه الله: "ومعلوم أنه قد بلغ الرسالة كما أمر، ولم يكتم منها شيئًا، فإن كتمان ما أنزله اللَّه إليه يناقض موجب الرسالة،


= فاعلًا خالقًا؛ لأنه لا يوصف شيء من خلقه بالقدرة والفعل والخلق. [انظر: الملل والنحل (١/ ٨٦)].
(١) هم: أتباع واصل بن عطاء الذي أحدث القول في مرتكب الكبيرة بأنه في منزلة بين المنزلتين، واعتزل مجلس الحسن البصري فسُموا معتزلة، وأصولهم خمسة مشهورة هي: العدل، والتوحيد، والمنزلة بين المنزلتين، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والوعد والوعيد، والوعيد، وقرروا تحت هذه الأصول الخمسة ما يخالف ويضاد الكتاب والسُّنَّة، وما كان عليه سلف الأمة الصالح. ومن عقيدتهم الجمع بين نفي الصفات ونفي القدر؛ ولذلك سموا قدرية. [انظر: الملل والنحل (١/ ٣٠، ٤٦ - ٤٨)].
(٢) مجموع الفتاوى (٤/ ٦٧).
(٣) انطر: مسألة التقريب بين أهل السُّنَّة والشيعة، د. ناصر بن عبد اللَّه القفاري (١/ ٢٥٥ - ٢٥٦).