للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أنزل إليك ظاهرًا" (١).

ويقول الإمام الشوكاني: "العموم الكائن في {مَا أُنْزِلَ}: يفيد أنه يجب عليه -صلى الله عليه وسلم- أن يبلغ جميع ما أنزله اللَّه إليه، لا يكتم منه شيئًا، وفيه دليلٌ على أنه لم يسر [إلى] (٢) أحد مما يتعلق بما أنزل اللَّه إليه شيئًا" (٣).

والمقصود من نفي الباطن عن الشرع أن يكون للنصوص معانٍ في الباطن تخالف ظاهرها، ولا تعرف إلا بطرق لم يبيِّنها النَّبِيّ -صلى الله عليه وسلم-، وقد علم مما سبق أن المقصود بالظاهر والباطن في لفظ القاعدة ما يتعلق بأعمال الجوارح والقلوب، فإن أعمال القلوب من أعظم أمور الدين، وهي أعمال باطنة جاء بها النَّبِيّ -صلى الله عليه وسلم- وبيَّنها لأمته أكمل البيان وأتمه، بل كل قول وعمل ظاهر فلا بد له من باطن يتعلق بالقلب.

يقول ابن تيمية: "كل قول وعمل فلا بد له من ظاهر وباطن، فظاهر القول لفظ اللسان، وباطنه ما يقوم من حقائقه ومعانيه بالجنان، وظاهر العمل حركات الأبدان، وباطنه ما يقوم بالقلب من حقائقه ومقاصد الإنسان" (٤).

ويقول ابن القيم: "قاعدة: الإيمان له ظاهر وباطن، وظاهره قول اللسان، وعمل الجوارح، وباطنه تصديق القلب، وانقياده، ومحبته، فلا ينفع ظاهر لا باطن له ... ولا يجزئ باطن لا ظاهر له" (٥).

كما قد يراد بالباطن الأمور المجملة في القرآن وجاء النَّبِيّ -صلى الله عليه وسلم- ببيانها في السُّنَّة، ولم يتوف عليه السلام حتَّى بيَّن جميع ما للناس حاجة إليه.

يقول الإمام أحمد (٦) في خطبة كتابه الذي صنفه في طاعة


(١) الجامع لأحكام القرآن (٦/ ٢٤٢).
(٢) زيادة مني لتوضيح المعنى.
(٣) فتح القدير (٢/ ٥٩).
(٤) مجموع الفتاوى (١٣/ ٢٦٢).
(٥) الفوائد (ص ٨٥).
(٦) هو: الإمام أحمد بن محمد بن حنبل بن هلال الشيباني، إمام أهل السُّنَّة وناصرها، =