للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فلولا أنه المعبود المحبوب لذاته لم يصلح قط شيء من الأعمال والحركات، بل كان العالم يفسد، وهذا معنى قوله: {لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا} [الأنبياء: ٢٢]، ولم يقل لعدمتا" (١).

وعليه تكون غاية الله من خلقه هو تحقيقهم لتوحيد الإلهية، كما أن ربوبية الله تعالى لخلقه التي تضمنت الخلق والإحياء هي العلة الفاعلية التي حصلت بسببها العلة الغائية.

يقول الإمام ابن تيمية: "فإن العبادة هي الغاية التي لها خلق الخلق، والإلهية هي الغاية، والربوبية تتضمن خلق الخلق وإنشاءهم، فهو متضمن ابتداء حالهم، والمصلي إذا قال: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ (٥)} [الفاتحة: ٥] فبدأ بالمقصود الذي هو الغاية على الوسيلة التي هي البداية، فالعبادة غاية مقصوده، والاستعانة وسيلة إليها، تلك حكمة، وهذا سبب، والفرق بين العلة الغائية والعلة الفاعلية معروف؛ ولهذا يقال: أول الفكرة آخر العلم، وأول البغية آخر الدرك، فالعلة الغائية متقدمة في التصور والإرادة، وهي متأخرة في الوجود، فالمؤمن يقصد عبادة الله ابتداء، وهو يعلم أن ذلك لا يحصل إلا بإعانته، فيقول: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ (٥)} " (٢).

وقد أوضح التفتازاني (٣) العلاقة بين العلة الغائية والفاعلية بقوله:


(١) مجموع الفتاوى (٥/ ٥١٥).
(٢) مجموع الفتاوى (١٠/ ٢٨٤)، وانظر: (٢/ ٣٠)، و (٢/ ٣٧).
(٣) هو: مسعود بن عمر بن عبد الله التفتازاني، وقيل: محمود بن عمر، الملقب بـ (سعد الدين) الشافعي، عالم النحو والتصريف والمعاني والبيان والمنطق وغير ذلك، ولد سنة اثنتي عشرة وسبعمائة بتفتازان؛ بفتح الفوقتين والزاي وسكون الفاء وبالنون: قرية بنواحي نسا الأصولي المفسر، المتكلم، البلاغي، أخذ عن العضد وغيره. له مصنفات منها: حاشية على شرح العضد، وشرح التلخيص، وشرح التلويح على التوضيح، توفي سنة ٧٩٣ هـ. [انظر ترجمته في: بغية الوعاة (٢/ ٢٨٥)، وشذرات الذهب (٦/ ٣١٩)].