للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يقول الإمام النووي في بيان معنى الآية: "وهذا تصريح بأنهم خلقوا للعبادة، فحق عليهم الاعتناء بما خلقوا له، والإعراض عن حظوظ الدنيا بالزهادة، فإنَّها دار نفاد لا محل إخلاد، ومركب عبور لا منزل حبور، ومشرع انفصام لا موطن دوام" (١).

قال ابن عاشور (٢): "واللام في {لِيَعْبُدُونِ (٥٦)} لام العلة؛ أي: ما خلقتهم لعلة إلا علة عبادتهم إياي، والتقدير: لإرادتي أن يعبدون، ويدل على هذا التقدير قوله في جملة البيان: {مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ (٥٧)}، وهذا التقدير يلاحظ في كل لام ترد في القرآن تعليلًا لفعل الله تعالى؛ أي: ما أرضى لوجودهم إلا أن يعترفوا لي بالتفرد بالإلهية" (٣).

ثانيًا: قوله تعالى: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ (٥)} [البينة: ٥]، وقوله سبحانه: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ (٣١)} [التوبة: ٣١].

لقد دلت الآيتان على حصر أمر الله لأهل الكتاب في أمرهم بالعبادة؛ أي: أنهم ما أمروا بشيء من التكاليف في هذه الدنيا إلا بعبادة الله تعالى وحده، فالنفي الذي يأتي بعده استثناء ثم إثبات يفيد قمة


= والجن كقوله في خلق عيسى: {وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِلنَّاسِ وَرَحْمَةً مِنَّا} [مريم: ٢١]. [التحرير والتنوير، لابن عاشور (٢٧/ ٢٦ - ٢٧)].
(١) رياض الصالحين (ص ٥).
(٢) هو: محمد الطاهر بن عاشور، رئيس المفتيين المالكيين بتونس، وشيخ جامع الزيتونة وفروعه، ولد سنة: ١٢٩٦ هـ، وعين عام ١٩٣٢ م شيخًا للإسلام مالكيًا، له مصنفات منها: التحرير والتنوير في تفسير القرآن العظيم، ومقاصد الشريعة الإسلامية، وأصول النظام الاجتماعي في الإسلام، والوقف وآثاره في الإسلام، وموجز في البلاغة، توفي سنة ١٣٩٣ هـ. [انظر ترجمته في: الأعلام (٦/ ١٧٤)].
(٣) التحرير والتنوير (٢٧/ ٢٥).