للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الحصر؛ أي: هم مقصورون على العبادة، فلم يخلقوا إلا للأمر بها وتحصيلها، وإفراد الرب تبارك وتعالى بها دون ما سواه.

وهذا يدل على أن العبادة هي غاية الله من خلقه؛ لأنَّه جعل الأمر بها أعظم مأمور، وأفضل مطلوب كما أفادته طريقة الحصر في الآيتين؛ فكأنَّه لم يأمرهم بشيء سوى عبادته سبحانه، ولهذا كثر في الكتب الإلهية الأمر بعبادة الله وحده (١).

قال الفخر الرازي في معنى آية التوبة: "ومعناه ظاهر: وهو أن التوراة والإنجيل والكتب الإلهية ناطقة بذلك" (٢).

أي: ناطقة ومصرحة بالأمر بالعبادة، فكون جميع الكتب الإلهية قد أمرت أول ما أمرت بهذه العبادة ليدل أعظم الدلالة على أنها هي غاية الغايات من خلق العباد.

يقول الإمام ابن تيمية: "فإن المسلمين واليهود والنصارى متفقون على أن في الكتب الإلهية الأمر بعبادة الله وحده لا شريك له، وأنه أرسل إلى الخلق رسلًا من البشر، وأنه أوجب العدل، وحرم الظلم والفواحش والشرك، وأمثال ذلك من الشرائع الكلية" (٣).

ويقول الإمام ابن القيم في الآية: "فنهى سبحانه أن يكون أَمَرَ عباده بغير العبادة التي قد أخلص عاملها له فيها النية" (٤).

بل هذا ما أمر الله به صفوة خلقه، وخير البشر، كما قال سبحانه: {قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ (١١) وَأُمِرْتُ لِأَنْ أَكُونَ أَوَّلَ الْمُسْلِمِينَ (١٢)} [الزمر: ١١، ١٢].

وهذا يؤيد كون العبادة هي غاية الخلق وغاية الأمر.

يقول الرازي في بيان الآيات: "وهذا يشتمل على قيدين؛ أحدهما:


(١) انظر: الجواب الصحيح (٦/ ٣١).
(٢) التفسير الكبير (١٦/ ٣١).
(٣) الجواب الصحيح (٢/ ٤٤٠).
(٤) بدائع الفوائد (٣/ ٧٠٧).