للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الأمر بعبادة الله، الثاني: كون تلك العبادة خالصة عن شوائب الشرك الجلي، وشوائب الشرك الخفي، وإنما خص الله تعالى الرسول بهذا الأمر؛ لينبه على أن غيره بذلك أحق، فهو كالترغيب للغير" (١).

ثالثًا: الأدلة الدالة على أن الله إنما بعث رسله جميعًا بالأمر بالعبادة وترك الشرك، وهذا يدل على أن العبادة هي غاية الله من خلقه، إذ لا يتصور أن يتوارد الرسل جميعًا على دعوة واحدة، وعقيدة مشتركة إلا ويكون ما بعثوا به هو غاية الله منهم ومن خلقهم وإيجادهم. ومن تلك النصوص:

قوله تعالى: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ} [النحل: ٣٦]، وقوله سبحانه: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ (٢٥)} [الأنبياء: ٢٥]، وغيرها من النصوص.

فالآيات أفادت حصر مهمة الرسل العظمى في الدعوة لهذا الأصل العظيم، إذ ليس لهم مهمة في حياتهم سوى بيان العبادة التي خلق الخلق من أجلها، وهذا يدل على أن عبادة الله وحده هي غايته من خلق الخلق وبعثة الرسل.

يقول أبو حيان (٢): "وكل واحد من هؤلاء الأنبياء؛ نوح وهود وصالح تواردوا على الأمر بعبادة الله؛ والتنبيه على أنه لا إله غيره، إذ


(١) التفسير الكبير (٢٦/ ٢٢٢).
(٢) هو: محمد بن يوسف بن علي بن يوسف بن حيان الأندلسي ثم المصري، الشيخ الإمام العلامة المحدث البارع، ترجمان العرب، ولسان أهل الأدب، أثير الدين الغرناطي المولد والمنشأ، المصري الدار والوفاة، الظاهري المذهب ولد سنة أربع وخمسين وستمائة، ومن عيون تصانيفه البحر المحيط في التفسير، وشرح التسهيل، وله من الكتب الصغار ما ينيف على أربعين تصنيفًا، وكانت وفاته في سنة خمس وأربعين وسبعمائة. [انظر ترجمته في: ذيل تذكرة الحفاظ (ص ٢٣ - ٢٦)].