للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

كان قومهم عابدي أصنام، ومتخذي آلهة مع الله كما كانت قريش والعرب" (١).

رابعًا: من المعلوم أن خلق الخلق بدون غاية من خلقهم ينافي كمال حكمة الله تعالى؛ وعليه فلا بد من وجود غاية يرجع إليها وجود الخليقة، ولا بد أن تكون غاية الخلق هي أعظم محبوباته تبارك وتعالى، ولا شك أن أعظم محبوبات الرب هي عبادته سبحانه وحده، وإفراده بالخضوع والتذلل والمحبة، كما أن العبادة بالنسبة لبني آدم هي غاية كمالهم، والله متصف بصفات الكمال والجلال، يحب الكمال لنفسه، ومن آثار كماله سبحانه محبته لتكميل عباده، ولذا كانت العبادة هي غاية الله من إيجاد خلقه، من جهة أمره ومحبته ورضاه، يحبها منهم، ويكملهم بها.

يقول ابن القيم: "ومعلوم أن ترك الإنسان كالبهائم مهملًا معطلًا مضاد للحكمة، فإنه خلق لغاية كماله، وكماله أن يكون عارفًا بربه، محبًا له، قائمًا بعبوديته، قال تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (٥٦)} [الذاريات: ٥٦].

فهذه المعرفة وهذه العبودية هما غاية الخلق والأمر، وهما أعظم كمال الإنسان، والله تعالى من عنايته به ورحمته له عرضه لهذا الكمال، وهيأ له أسبابه الظاهرة والباطنة ومكنه منها" (٢).

فالأمر بالعبادة وقيام الخلق بها هو غاية كمالهم، وبه تظهر وتتجلى آثار أسمائه وصفاته سبحانه؛ إذ هذا هو مقتضى الاتصاف بالكمال، والتنزه عن النقص (٣).

يقول الإمام ابن تيمية في شأن العبادة: "فهو العمل الذي خلق


(١) تفسير البحر المحيط (٤/ ٣٣٠).
(٢) شفاء العليل (ص ٢٢٦).
(٣) انظر: المصدر نفسه (ص ٢٥٧).