للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

عليه، ومنه ما استأثر سبحانه بعلمه" (١).

ويقول العلامة ابن القيم: "إنه سبحانه حكيم، لا يفعل شيئًا عبثًا، ولا لغير معنى ومصلحة، وحكمة هي الغاية المقصودة بالفعل، بل أفعاله سبحانه صادرة عن حكمة بالغة، لأجلها فعل كما فعل، كما هي ناشئة عن أسباب بها فعل" (٢).

ويقول -رحمه الله- أيضًا: "وإن حكمته حكمة حق عائدة إليه، قائمه به كسائر صفاته، وليست عبارة عن مطابقة علمه لمعلومه، وقدرته لمقدوره، كما يقوله نفاة الحكمة الذين يقرون بلفظها دون حقيقتها، بل هي أمر وراء ذلك، وهي الغاية المحبوبة له المطلوبة، التي هي متعلق محبته وحمده، ولأجلها خلق فسوى، وقدر فهدى، وأحيى وأسعد وأشقى، وأضل وهدى، ومنع وأعطى، وهذه الحكمة هي الغاية، والفعل وسيلة إليها، فإثبات الفعل مع نفيها إثبات للوسائل ونفي للغايات، وهو محال؛ إذ نفي الغاية مستلزم لنفي الوسيلة، فنفي الوسيلة وهي الفعل لازم لنفي الغاية، وهي الحكمة، ونفي قيام الفعل والحكمة به نفي لهما في الحقيقة؛ إذ فعل لا يقوم بفاعله، وحكمة لا تقوم بالحكيم شيء لا يعقل، وذلك يستلزم إنكار ربوبيته وإلهيته" (٣).

ثانيًا: لا يخفى أن المقصود من العبادة في القاعدة هي العبادة التي سبقتها معرفة العبد بربه تبارك وتعالى، وما له من الأسماء الحسنى والصفات العلى، وعليه فلا تعتبر العبادة مع الجهل بالمعبود، وبما له من الأسماء العليا، والصفات الحميدة.

يقول الشيخ عبد الرحمن السعدي: "هذه الغاية التي خلق الله الجن


(١) مجموع الفتاوى (٨/ ١٩٧).
(٢) شفاء العليل (ص ١٩٠)، وانظر: مدارج السالكين (١/ ٤٠٧).
(٣) طريق الهجرتين (ص ١٦١).