للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والإنس لها، وبعث جميع الرسل يدعون إليها، وهي عبادته المتضمنة لمعرفته، ومحبته، والإنابة إليه، والإقبال عليه، والإعراض عما سواه، وذلك متوقف على معرفة الله تعالى؛ فإن تمام العبادة متوقف على المعرفة بالله، بل كلما ازداد العبد معرفة بربه كانت عبادته أكمل، فهذا الذي خلق الله المكلفين لأجله، فما خلقهم لحاجة منه إليهم" (١).

ثالثًا: تضمنت القاعدة الدلالة على وجوب صرف العبادة لله تعالى وحده دون غيره من الخلق؛ لأن القاعدة نصت على أن العبادة هي غاية الله من خلقه، وأخبر الله الخلق بهذه الغاية، فدل ذلك على وجوب عبادته -سبحانه وتعالي-، وإلا لما كانوا محققين لما خلقوا من أجله، فإخباره دال على أن هذا هو الغاية من الخلق، ودال في نفس الوقت على أمرهم بعبادته سبحانه وحده لا شريك له، وهو أمر عام لجميع الخلق مؤمنهم وكافرهم كما سيأتي إيضاحه.

رابعًا: دلت القاعدة على صحة مذهب أهل السُّنَّة والجماعة من كون العبادات غايات ووسائل؛ إذ هي في نفسها غاية بالنسبة للعبد، كما أنها وسائل لرضا الله تعالى، ودخول جنته، وذلك بخلاف قول الفلاسفة والباطنية وغلاة أهل البدع من الرافضة والصوفية، كما نقل ذلك عنهم شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-؛ فإنَّهم قرروا أن العبادات التي أمرت بها الرسل مقصودها إصلاح أخلاق النفس لتستعد للعلم الذي زعموه بأنه كمال النفس، فيجعلون العبادات وسيلة محضة إلى ما يدعونه من العلم، ولهذا يرون سقوط العبادة عمن تحصل على هذا العلم المزعوم، ولا شك في بطلان هذا المذهب وفساده، ومعارضته الظاهرة للنصوص المصرحة بخلافه، وهو خلاف ما قرره أهل السُّنَّة من أن العبادة غاية عظيمة كما أنها وسيلة في ذاتها إلى رحمة الله ورضوانه.


(١) تفسير السعدي (ص ٨١٣).