للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يعبد الله وغيره، أو يعبده مشركًا به، لا يقال: إنه يعبد مطلقًا" (١).

وقال ابن القيم: "لأن من عبد غير الله لم يكن ثابتًا على عبادة الله، موصوفًا بها، فتأمل هذه النكتة البديعة كيف تجد في طيها أنه لا يوصف بأنه عابد الله وعبده المستقيم علي عبادته إلا من انقطع إليه بكليته، وتبتل إليه تبتيلًا، لم يلتفت إلى غيره، ولم يشرك به أحدًا في عبادته، وأنه وإن عبده وأشرك به غيره فليس عابدًا لله ولا عبدًا له" (٢).

وقال الشيخ محمد بن عبد الوهاب-: عن عبادة المشركين-: "وأما عبادته سبحانه بالإخلاص دائمًا في الشدة والرخاء فلا يعرفونها وهي نتيجة الإلهية" (٣).

هذا ما وقفت عليه من أقوال أهل العلم في تفسير معنى الآية، والذي يترجح من هذه الأقوال، وعليه جملة من المحققين؛ كشيخ الإسلام ابن تيمية، وابن القيم، والصنعاني، والشوكاني، والشنقيطي، وغيرهم هو الأول، وقريبًا منه الثاني، فإن العبادة لا توجد بدون الأمر من الله تعالى.

وبهذا يظهر أن العبادة الشرعية هي الغاية من خلق الخلق وعلى ذلك تكون الإرادة التي دلت عليها اللام في قوله: {لِيَعْبُدُونِ (٥٦)}. إرادة دينية شرعية، إذ هي الأصل في إيجاد المخلوق، وهي لا تقتضي وجود المراد.

يقول الإمام ابن تيمية: "إن الله إنما خلق الجن والإنس ليعبدوه، فإن هذا هو الغاية التي أرادها منهم بأمره، وبها يحصل محبوبه، وبها تحصل سعادتهم ونجاتهم، وإن كان منهم من لم يعبده ولم يجعله عابدًا له، إذ كان في ذلك الجعل تفويت محبوبات أخر هي أحب إليه من عبادة


(١) مجموع الفتاوى (١٦/ ٥٧٤).
(٢) بدائع الفوائد (١/ ١٤٤).
(٣) الدرر السنية (٢/ ٦٥).