للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

للحرب، وقد يكون منها ما لا يحارب به أصلًا، فالمعنى: أن الإعداد في خلق هؤلاء إنما هو للعبادة (١).

وهذا المعنى صحيح، لكن لفظ يعبدون كما سبق يقتضي فعلًا منهم، وكونهم معدين ومهيئين للعبادة هو فعل الله بهم لا فعلهم، ثم إن الملائكة قد طبعت نفوسهم على العبادة، وانقطعت عنهم أسباب الانحراف، بحيث لا تقع منهم معصية على الإطلاق، فهم أولى بهذا الوصف من سائر الإنس والجن، كما أن لام الغاية قد دلت على آخر الشي ونهايته في أمر الخلق، والفطرة إنما تكون مع ابتداء الخلق.

الثامن: {إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (٥٦)}: إلا ليوحدون؛ فأما المؤمن فيوحده في الشدة والرخاء، وأما الكافر فيوحده في الشدة والبلاء دون النعمة والرخاء، بيانه قوله تعالى: {فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ (٦٥)} [العنكبوت: ٦٥] (٢).

وهذا ضعيف أيضًا، فإن المشرك إذا أخلص الدعاء في حال الشدة دون الرخاء فلا يسمى موحدًا هكذا بإطلاق، فإن التوحيد المطلق هو الذي لا يقارنه الشرك، وإخلاص هذا الكافر إنما هو في حال شدته فقط، فهو إخلاص وتوحيد مقيد، إذ هم لا يثبتون على التوحيد بل يسارعون إلى الشرك في حال الأمن والرخاء، ولا يعتبر عابدًا موحدًا لله إلا من ثبت على التوحيد والعبادة.

يقول الإمام ابن تيمية: "نفي العبادة مطلقًا ليس هو نفي لما قد يسمى عبادة مع التقييد، والمشرك إذا كان يعبد الله ويعبد غيره فيقال: إنه


(١) تفسير أبي السعود (٣/ ٢٩٥)، المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية (٥/ ١٨٣).
(٢) معالم التنزيل للبغوي (٤/ ٢٣٥)، والجامع لأحكام القرآن (١٧/ ٥٦)، وهو مروي عن الكلبي.