للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

{وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ} [لقمان: ٢٥]، هذا منهم عبادة وليس ينفعهم مع الشرك" (١).

لكن هذا أيضًا ضعيف؛ لأن المشركين لا يعبدون الله بل يعبدون الشيطان، وما يدعونه من دون الله؛ سواء عبدوا الملائكة، أو الأنبياء والصالحين، أو التماثيل، كما أخبر الله بذلك، فالمشرك يعبد الشيطان وما عدل به الله ولا يعبد الله، ولا يسمى مجرد الإقرار بالصانع عبادة لله مع الشرك بالله (٢)، ولكن يقال كما قال تعالى: {وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ (١٠٦)} [يوسف: ١٠٦]، فإيمانهم بالخالق مقرون بشركهم به، فعبادة المشركين وإن جعلوا جزءًا منها لله فإن الله لا يقبل منها شيئًا، بل كلها لمن أشركوه، فلا يكونون قد عبدوا الله سبحانه.

السادس: قول مجاهد في قوله: {إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (٥٦)}: قال: "إلا ليعرفون" (٣).

وهذا المعنى صحيح، وكونه إنما عرف بخلقهم يقتضي أن خلقهم شرط في معرفتهم، لا يقتضي أن يكون ما حصل لهم من المعرفة هو الغاية التي خلقوا لها، فهذه المعرفة هي من إقرارهم العام الذي هم فيه مشركون، وليست هي العبادة التي هي غاية الله من خلقه (٤).

السابع: معنى العبادة في الآية هو الاستعداد الفطري لها، الذي فطر الله النفوس عليه؛ فجعل لهم عقولًا وحواسًا وقلوبًا منقادة نحو العبادة، فباعتبار استعدادهم الفطري للعبادة وتمكنهم التام منها جعل خلقهم مغيًا بها، وهذا كما تقول: البقر مخلوقة للحرث، والخيل


(١) رواه ابن أبي حاتم. انظر: تفسير ابن كثير (٤/ ٢٣٩)، وفتح الباري (٨/ ٦٠٠).
(٢) لمزيد من الإيضاح انظر قاعدة: (العبادة لا تسمى عبادة إلا مع التوحيد) (ص ٣١٩).
(٣) انظر: تفسير الثعلبي (٩/ ١٢٠).
(٤) مجموع الفتاوى (٨/ ٥٠ - ٥١) بتصرف.