للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ويقول الشيخ عبد الله أبا بطين (١): "والإرادة الدينية: أصل في إيجادَ المخلوق، والإرادة الكونية: أصل فيمن كتبت عليه الشقاوة، فلا ييسر إلا لها، ولا يعمل إلا بها، قال تعالى: {وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ (١١٨) إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ} [هود: ١١٨، ١١٩] فهي الإرادة الكونية، وهي لا تعارض الإرادة الدينية، التي هي أصل إيجاد المخلوقات، فمن ذلك قوله تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (٥٦)} [الذاريات: ٥٦] فقد يعبدون وقد لا يعبدون" (٢).

وقال الشيخ الشنقيطي: "فإرادة عبادتهم المدلول عليها باللام في قوله: {لِيَعْبُدُونِ (٥٦)}: إرادة دينية شرعية، وهي الملازمة للأمر، وهي عامة لجميع من أمرتهم الرسل لطاعة الله، لا إرادة كونية قدرية؛ لأنَّها لو كانت كذلك لعبده جميع الإنس والجن والواقع خلاف ذلك" (٣).

وبذلك يظهر أن الإرادة الكونية للعبادة غير لازمة على جميع الخلق، وليست هي من مقتضيات اللام في قوله: {لِيَعْبُدُونِ (٥٦)} [الذاريات: ٥٦]، بخلاف الدينية؛ إذ هي الأصل في إيجاد البشرية فهي لازمة وداخلة في معنى اللام، ولا يلزم من انتفاء الإرادة الكونية انتفاء الإرادة الدينية؛ فإن تعوق البعض عن الوصول إلى الغاية، مع تعاضد المبادئ، وتآخذ المقدمات الموصلة إليها لا يمنع كونها غاية، كما في قوله تعالى: {كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ (١)} [إبراهيم: ١]، ونظائره (٤).


(١) هو: العالم الجليل عبد الله بن عبد الرحمن أبا بطين، من بيت علم وشرف ودين، ولد عام ١١٩٤ هـ، كان آية في العدالة والنزاهة مسددًا في أقضيته مشتهرًا بفراسته، له من المؤلفات، مختصر بدائع الفوائد، ومختصر إغاثة اللهفان، تأسيس التقديس، توفي عام ١٢٨٢ هـ. [مقدمة كتاب تأسيس التقديس، بتحقيق: الشيخ عبد السلام بن برجس].
(٢) الدرر السنية (٢/ ٣٠٦ - ٣٠٧).
(٣) أضواء البيان (٧/ ٤٤٥).
(٤) انظر: تفسير أبي السعود (٨/ ١٤٤)، وروح المعاني (٢٧/ ٢١).