للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

خامسًا: أن قصد مكان أو بقعة بالعبادة -دون مساجد المسلمين ومشاعر الحج- فيه فتح باب لمفسدة عظيمة تؤدي إلى تعلق قلوب العامة بهذه الأمكنة، وخاصة إذا صدر هذا ممن يحسنون به الظن؛ فإن قلوبهم ضعيفة وسرعان ما يضلهم الشيطان ويسول لهم بأن هذا المكان مبارك، أو أنه قبر لنبي، أو مقام لصالح، إما بخبر لا يعرف قائله، أو بمنام لا تعرف حقيقته، ثم يترتب على هذا اتخاذ هذا المكان وتلك البقعة مسجد يتحرون الصلاة فيه ويقصدونه ولو من بعيد، أضف إلى ذلك صرفها للقلوب عن الأماكن الشرعية التي أمرنا بالتعلق بها.

يقول الإمام ابن تيمية -رحمه الله-: "ثم ذلك يفضي إلى ما أفضت إليه مفاسد القبور، فإنَّه يقال: إن هذا مقام نبي، أو قبر نبي، أو ولي، بخبر لا يعرف قائله، أو بمنام لا تعرف حقيقته، ثم يترتب على ذلك اتخاذه مسجدًا، فيصير وثنًا يعبد من دون الله تعالى. شرك مبني على إفك! والله سبحانه يقرن في كتابه بين الشرك والكذب، كما يقرن بين الصدق والإخلاص" (١).

سادسًا: ما جاء من الآثار عن الصحابة -رضي الله عنهم- من إنكار تتبع آثار النبي -صلي الله عليه وسلم- وتحري مواضعه التي وجد فيها، أو عبد الله عندها، فمن ذلك ما ثبت عن عمر بن الخطاب (٢) -رضي الله عنه- من النهي والتشديد على من تتبع آثار النبي -صلي الله عليه وسلم-، وقصدها للعبادة، كما جاء عن المعرور بن سويد (٣) قال:


(١) اقتضاء الصراط المستقيم (ص ٣٩٠).
(٢) هو: عمر بن الخطاب بن نفيل بن عبد العزي بن رباح بن عبد الله بن قرط بن رزاح القرشي، العدوي، أبو حفص أمير المؤمنين، وخليفة خليفة رسول الله -صلي الله عليه وسلم-، أسلم بعد أربعين رجلًا وإحدى عشر امرأة، وأظهر الله به الإسلام، وهاجر إلى المدينة، وشهد بدرًا، وبيعة الرضوان، وكل مشهد شهده رسول الله -صلي الله عليه وسلم-، وقبض رسول الله -صلي الله عليه وسلم- وهو عنه راضٍ، قتله أبو لؤلؤة غلام المغيرة بن شعبة سنة ٢٣ هـ. [انظر: الاستيعاب (٢/ ٤٥٠)، والإصابة: (٢/ ٥١١)].
(٣) هو: المعرور بن سويد، أبو أمية الأسدي الكوفي، من الثقات المعمرين، عاش مائة =