للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بدليل صحيح وإلا كان شرع دين لم يأذن به الله كما قال تعالى: {أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ} [الشورى: ٢١].

يقول الإمام ابن تيمية: "وإن لم يكن الدعاء عندها أفضل كان قصد الدعاء عندها ضلالة ومعصية، كما لو تحرى الدعاء وقصده عند سائر البقاع التي لا فضيلة للدعاء عندها؛ من شطوط الأنهار، ومغارس الأشجار، وحوانيت الأسواق، وجوانب الطرقات، وما لا يحصي عدده إلا الله، وهذا قد دل عليه كتاب الله في مواضع مثل قوله تعالى: {أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ}، فإذا لم يشرع الله استحباب الدعاء عند المقابر، ولا وجوبه، فمن شرعه فقد شرع من الدين ما لم يأذن به الله" (١).

رابعًا: أن تقديس الأمكنة والبقاع التي لم يأت الشرع بتقديسها، أو قصدها بالعبادة، وخاصة إذا كانت قبرًا لنبي، أو صالح، أو مقامًا لهما، فيه تشبه بأهل الكتاب الذين كانوا يقدسون ويعظمون أماكن دفن أنبيائهم وصالحيهم فيتخذونها مساجد، وقد نهينا عن التشبه بهم، وأمرنا بمخالفتهم، ولذا لعنهم النبي -صلي الله عليه وسلم- بسبب فعلهم هذا، كما في قوله -صلى الله عليه وسلم- قبل أن يموت بخمس: "إني أبرأ إلى الله أن يكون لي منكم خليل، فإن الله تعالى قد اتخذني خليلًا كما اتخذ إبراهيم خليلًا، ولو كنت متخذًا من أمتي خليلًا لاتخذت أبا بكر خليلًا، ألا وإن من كان قبلكم كانوا يتخذون قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد ألا فلا تتخذوا القبور مساجد إني أنهاكم عن ذلك" (٢).


(١) اقتضاء الصراط المستقيم (ص ٣٤٠).
(٢) رواه مسلم في صحيحه، كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب: النهي عن بناء المساجد على القبور واتخاذ الصور فيها والنهي عن اتخاذ القبور مساجد (١/ ٣٧٧)، رقم (٥٣٢).