للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

في إفراد الله بالعبادة، وتخصيصه -عليه السلام- بها دون غيره، لا في صرف أصل العبادة لله تعالى، إذ لم ينازع أحد من المشركين في كونه سبحانه معبودًا (١)، أو في كونه يعبد ويستحق العبادة في الجملة، وإنما كانت حقيقة الخلاف في اختصاص الله بالعبادة، وأنه هو الإله الحق، وأن ما دونه من الآلهة لا تستحق شيئًا من العبادة، وأنها باطلة لا تملك لعابديها نفعًا ولا ضرًا، وأن ما أطلق عليها من تسميات فإنما هي تسميات باطلة خاوية من الحقيقة في أرض الواقع.

يقول الشيخ عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ: "وتقدم قول قوم هود -عليه السلام-: {أَجِئْتَنَا لِنَعْبُدَ اللَّهَ وَحْدَهُ} [الأعراف: ٧٠]: دليل على أنهم أقروا بوجوده، وربوبيته، وأنهم يعبدونه، لكنهم أبوا أن يجردوا العبادة لله وحده دون آلهتهم التي كانوا يعبدونها معه، فالخصومة بين الرسل وأممهم ليست في وجود الرب، وقدرته على الاختراع: فإن الفطر والعقول دلتهم على وجود الرب، وأنه رب كل شيء ومليكه، وخالق كل شيء، والمتصرف في كل شيء؛ وإنما كانت الخصومة: في ترك ما كانوا يعبدونه من دون الله" (٢).

ويقول الشيخ عبد العزيز بن باز: "الخصومة بين الرسل والأمم في توحيد العبادة، وإلا فالأمم تقر بأن الله ربها، وخالقها، ورازقها، وتعرف كثيرًا من أسمائه وصفاته، ولكن النزاع والخصومة من عهد نوح إلى يومنا


(١) وما وقع من إنكار ذلك: فإنما هو محض المكابرة، وحال الجحود، ومجرد العناد، وقع من نزر حقير لا يكاد يذكر، قد ملئ مكرًا وخبثًا وخسة وتجبرًا واستكبارًا؛ من شذاذ العالم، وسفلة الخلق، وأراذل البشرية، أنكروا ذلك في الظاهر، وأخفوا بين جنبات نفوسهم يقينًا لم ينفعهم، واعترافًا أوقعهم في المهالك، فكانوا كما حكى الله عنهم: {وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ (١٤)} [النمل: ١٤].
(٢) الدرر السنية في الأجوبة النجدية (٢/ ٢٣٤).