للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ثانيًا: النصوص الدالة على أن الله تعالى هو صاحب البركة، الذي يبارك في من شاء من خلقه، إذ هو مصدر البركة ومنشئها وخالقها ومالكها وواهبها.

فعن عبد الله بن مسعود (١) -رضي الله عنه- قال: (كنا نعد الآيات بركة وأنتم تعدونها تخويفًا (٢)، كنا مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في سفر فقلَّ الماء، فقال: اطلبوا فضلة من ماء فجاؤوا بإناء فيه ماء قليل، فأدخل يده في الإناء ثم قال: "حي على الطهور المبارك، والبركة من الله"، فلقد رأيت الماء ينبع من بين أصابع رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ولقد كنا نسمع تسبيح الطعام وهو يؤكل) (٣).

قال الحافظ ابن حجر: "والبركة مبتدأ والخبر من الله؛ وهو إشارة إلى أن الإيجاد من الله" (٤).

والمقصود: أن إيجاد البركة وإحداثها وخلقها منه تعالى دون ما سواه.

وقال الشيخ علي القاري في بيان معنى هذا الحديث: ""والبركة


(١) هو: أبو عبد الرحمن عبد الله بن مسعود الهذلي من السابقين إلى الإسلامي، أسلم بمكة وهاجر الهجرتين، وشهد بدرا، وأُحدًا، والخندق، وبيعة الرضوان، وغيرها.
أحد فقهاء الصحابة وقرائهم المشهورين توفي بالمدينة سنة ٣٢ هـ. [انظر: الاستيعاب لابن عبد البر (٣/ ١١٠)، وأسد الغابة (٣/ ٣٨٤)].
(٢) قال الإمام الطحاوي: "فاحتمل قول عبد الله: كنا نعدها بركة، وأنتم تعدونها تخويفًا؛ أي: إنا كنا نعدها بركة، لأنا نخاف بها، فنزداد إيمانًا وعملًا، فيكون ذلك لنا بركة، وأنتم تعدونها تخويفًا، ولا تعملون معها عملًا يكون لكم به بركة، ولم يكن ما قال عبد الله -رضي الله عنه- عندنا مخالفًا لما جاء به كتاب الله عزَّ وجلَّ من قول الله عزَّ وجلَّ: {وَمَا نُرْسِلُ بِالْآيَاتِ إِلَّا تَخْوِيفًا (٥٩)} [الإسراء: ٥٩]؛ أي: تخويفًا لكم بها لكي تزدادوا عملًا وإيمانًا فيعود ذلك لكم بركة". [شرح مشكل الآثار (٩/ ٦)].
(٣) أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب المناقب، باب: علامات النبوة في الإسلام (٣/ ١٣١٢)، رقم (٣٣٨٦)، وابن خزيمة في صحيحه، كتاب الوضوء، باب: الرخصة في وضوء الجماعة (١/ ١٠٢)، رقم (٢٠٤).
(٤) فتح الباري (٦/ ٥٩٢).