للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ثامنًا: دلت القاعدة على أن البركة ملكه سبحانه، وصفته تعالى، وفعله عزَّ وجلَّ، وعليه يكون حظ الخلق من البركة بقدر قربهم من ربهم، وتعلقهم بمعبودهم، ومحبتهم لخالقهم سُبَحانهُ وتَعَالى، وقد سبق تقرير ذلك في الكلام على بركة الأنبياء وأهل العلم، وعمومًا فكلما كان الشيء أقرب إلى الله زادت بركته وكثر خيره، وفي الأعمال كذلك؛ فكلما كان العمل أكثر إخلاصًا وموافقة للسُّنَّة كانت بركته بحسب ذلك.

والعكس بالعكس فكل ما بَعُدَ عن الله ودينه وشرعه وما يحبه ويرضاه، أو أبْعَدَ عنه قلَّ خيره، ونزعت بركته، وذهبت عافيته (١).

يقول أبو عبد الله الحكيم الترمذي (٢): "وكل شيء هو عون للدين فالبركة حالة به، وإذا بورك في الشيء سعد به أهله، وكل شيء يتصل به الشيطان ويقارنه فبركته ممحوقة، ولهذا شرع ذكر اسم الله تعالى عن الأكل، والشرب، واللبس، والركوب، والجماع؛ لما في مقارنة اسم الله من البركة، وذكر اسمه يطرد الشيطان فتحصل البركة ولا معارض لها، وكل شيء لا يكون لله فبركته منزوعة؛ فإن الرب هو الذي يبارك وحده، والبركة كلها منه، وكلما نسب إليه مُبَارَكٌ، فكلامه مُبَارَك، ورسوله مُبَارَك، وعبده المؤمن النافع لخلقه مُبَارَك، وبيته الحرام مُبَارك، وكنانته من أرضه وهي الشام أرض البركة، وصفها بالبركة في ست آيات من كتابه، فلا مُبَارِك إلا هو وحده، ولا مُبَارَك إلا ما نسب إليه؛ أعني: إلى


(١) انظر: فيض القدير (٣/ ٥٥٠).
(٢) هو: محمد بن علي بن الحسن بن بشير الترمذي المؤذن المعروف بالحكيم، صاحب كتاب نوادر الأصول المشهور، وله كتاب ختم الولاية وعلل الشريعة، هجر بسببه في ترمذ آخر عمره. قال عنه ابن حجر: "لم يكن من أهل الحديث، ولا رواية له"، وذكر أنه: تكلم بإشارات الصوفية، ودعوى الكشف عن الأمور الغامضة والحقائق، حتى خرج في ذلك عن قاعدة الفقهاء، واستحق الطعن عليه بذلك، عاش إلى حدود العشرين وثلاثمائة، وعاش نحوًا من تسعين سنة. [ترجمته في: لسان الميزان (٥/ ٣٠٨ - ٣١٠)].