للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فإذا توسط بين المصلي والقبلة شيء، بحيث تكون القبلة هي المقصودة في الأصل، ولكنه جعل شيئًا بينه وبين جهة القبلة، فهذه فيها تفصيل؛ إذ الأصل في استقبال الأشياء الإباحة ما دام المصلي متوجهًا إلى القبلة، وقاصدًا لها، ولكن قد يختلف الحكم في بعض الصور:

الأولى: أن يكون الشيء الذي بين المصلي والقبلة مما نهي عن استقباله حال الصلاة؛ وإن لم يقصد المصلي استقباله؛ كاستقبال النار (١)، والقبر (٢)، والأصنام، والتصاوير (٣)؛ لكونها هيئة فيها مشابهة المشركين، وكذا استقبال الأماكن النجسة، والمستقذرة؛ كالحش والمجزرة، والطريق (٤) وجميع ما يشوش فكر المصلي، فكل هذه الأشياء مما نهي عن استقبالها حال الصلاة سواء بقصد أو بدون قصد (٥).

يقول الإمام ابن تيمية: "ونهى أن يستقبل الرجل القبر في الصلاة


(١) لما في ذلك من التشبه بالمجوس عبدة النار، وقد نهينا عن التشبه بالمشركين، قال الإمام ابن قدامة: "ويكره أن يصلي إلى نار قال أحمد: إذا كان التنور في قبلته لا يصلي إليه، وكره ابن سيرين ذلك، وقال أحمد في السراج والقنديل يكون في القبلة: أكرهه وأكره كل شيء، حتى كانوا يكرهون أن يجعلوا شيئًا في القبلة حتى المصحف، وإنما كره ذلك؛ لأن النار تعبد من دون الله فالصلاة إليها تشبه الصلاة لها". [المغني (٢/ ٣٩)].
(٢) الصلاة إلى القبر لا تجوز بدليل حديث أبي مرثد الغنوي -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لا تصلوا إلى القبور ولا تجلسوا عليها"، هذا لفظ مسلم (٢/ ٦٦٨)، رقم (٩٧٢)، [وانظر: أضواء البيان (٢/ ٢٩٨)].
(٣) دل على عدم جواز استقبال الأصنام والتصاوير ما رواه البخاري من حديث أنس -رضي الله عنه- قال: كان قرام لعائشة سترت به جانب بيتها فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "أميطي عنا قرامك هذا، فإنه لا تزال تصاويره تعرض في صلاتي". [أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الصلاة، باب: إن صلى في ثوب مصلب أو تصاوير هل تفسد صلاته وما ينهى عن ذلك (١/ ١٤٧)، رقم (٣٦٧)].
(٤) قياسًا على منع استقبال القبلة بغائط أو بول، فكيف إذا كانت القبلة مكانًا للنجاسة والقاذورات، ولأن قارعة الطريق، والمجزرة، والمزبلة، مظان للنجاسة، أشبهت الحش والحمام. [انظر: الكافي في فقه الإمام أحمد لابن قدامة (١/ ١١٠)].
(٥) انظر: الموسوعة الفقهية الكويتية (٤/ ٧٦).