للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قوله -صلى الله عليه وسلم-: "من صلى صلاتنا واستقبل قبلتنا": "بيانه أنه أفرد بذكر استقبال القبلة بعد قوله: "من صلى صلاتنا"، مع كونه داخلًا فيها؛ لأنه من شرائطها؛ وذلك للتنبيه على تعظيم شأن القبلة، وعظم فضل استقبالها، وهو غير مقتصر على حالة الصلاة، بل أعم من ذلك على ما لا يخفى" (١).

وصرح بذلك الإمام ابن مفلح (٢) بقوله: "وهو متجه -أي: استحباب الاستقبال- في كل طاعة إلا لدليل" (٣).

ويقول الإمام الشوكاني: "أقول وجه ذلك أنها الجهة -أي: القبلة- التي يتوجه إليها العابدون لله سبحانه، والداعون له، والمتقربون إليه، وقد ورد ما يرغب في ذلك على العموم كما أخرجه الطبراني بإسناد حسن عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إن لكل شيء سيدًا وإن سيد المجالس قبالة القبلة"" (٤).

والذي يترجح أنه لا يتعبد باستقبال إلا ما ورد في الشرع استحبابه ومشروعيته، وأما ما لم يرد فيه دليل خاص باستحباب استقباله فلا يتقصد لذلك، والله أعلم.


= الحنفي، المعروف بالعيني، ولد سنة ٧٦٢ هـ، وبرع في كثير من العلوم، وتولى القضاء ثم تركه ولزم بيته مقبلًا على الجمع والتصنيف، من تصانيفه: عمدة القاري شرح صحيح البخاري، وَشَرَحَ معاني الآثار للطحاوي، وشرح الكلم الطيب لابن تيمية، مات سنة ٨٥٥ هـ بالقاهرة. [ترجمته في: البدر الطالع (٢/ ٢٩٤ - ٢٩٥)، والضوء اللامع (١٠/ ١٣١)].
(١) عمدة القاري، للإمام العيني (٤/ ١٢٤ - ١٢٥).
(٢) هو: محمد بن مفلح بن محمد بن مفرّج الراميني، المقدسي الحنبلي الفقيه النحوي الأصولي، وحيد دهره، وفريد عصره، وشيخ الحنابلة في وقته، بل شيخ الإسلام، وأحد الأئمة الأعلام، له مصنفات كثيرة منها: الفروع، والأصول، والآداب الشرعية، توفي سنة (٧٦٣ هـ). [ترجمته فى: المقصد الأرشد (٢/ ٥١٨)، وشذرات الذهب (٦/ ١٩٩)].
(٣) الفروع لابن مفلح (١/ ١٢٢).
(٤) تحفة الذاكرين للشوكاني (ص ٥٧).