للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ذلك أن الله تعالى أثبت للرسول -صلى الله عليه وسلم- رضاه وميله ومحبته للتوجه إلى جهة الكعبة، ومن المعلوم أنه -صلى الله عليه وسلم- لا يرضى ولا يحب إلا ما أحبه الله ورضيه سبحانه وتعالى، إذ إن جميع محابه -صلى الله عليه وسلم- تابعة في الأصل لمحبة معبوده سبحانه وتعالى (١).

ولذا ذكر أهل التفسير في معنى قوله تعالى: {قِبْلَةً تَرْضَاهَا}؛ أي: تحبها بسبب اشتمالها على المصالح الدينية والغايات الشرعية (٢).

يقول الإمام البغوي في معنى الآية: "فلنحولنك إلى قبلة ترضاها؛ أي: تحبها وتهواها" (٣).

ويقول الشيخ السعدي في معنى الآية: "أي: تحبها؛ وهي الكعبة، وفي هذا بيان لفضله وشرفه -صلى الله عليه وسلم- حيث إن الله تعالى يسارع في رضاه" (٤).

ويقول الإمام ابن كثير في معنى قوله تعالى في شأن تحويل القبلة: {وَإِنَّهُ لَلْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (١٤٩)}: "فبيَّن أنه الحق أيضًا من الله يحبه ويرتضيه" (٥).

الثاني: كما أفاد قوله تعالى: {فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ} الأمر باستقبال الكعبة حال الصلاة، والله تعالى لا يأمر إلا بما هو محبوب لديه مرضي عنده، وعليه يكون الاستقبال عبادة لله تبارك وتعالى.


(١) سيأتي تقرير هذه المسألة الهامة في قاعدة المحبة (ص ٥٥٨).
(٢) التفسير الكبير للرازي (٤/ ١٠٢)، وليس نسخ قبلة بيت المقدس بقبلة الكعبة لمجرد ميل النبي -صلى الله عليه وسلم- ومحبته لذلك فحسب، بل إن ذلك هو عين ما يحبه الله ويرضاه لعباده، وهو مقتضى الحكمة الربانية؛ التي تؤول إلى غايات حميدة، ونتائج محبوبة للرب تبارك وتعالى، ولذا بين سبحانه في الآية الأخرى بأن ذلك هو الحق الذي لا حق غيره، ولا محيد عنه، الآتي من عنده سبحانه وتعالى. [وانظر: التفسير الكبير (٤/ ١٢٥)].
(٣) تفسير البغوي (١/ ١٢٤).
(٤) تفسير السعدي (ص ٧١).
(٥) تفسير ابن كثير (١/ ١٩٦).