للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يقول الإمام ابن كثير في تفسير الآية: "أمر تعالى باستقبال الكعبة من جميع جهات الأرض؛ شرقًا وغربًا وشمالًا وجنوبًا، ولا يستثنى من هذا شيء سوى النافلة في حال السفر، فإنَّه يصليها حيثما توجه قالبه وقلبه نحو الكعبة، وكذا في حال المسايفة في القتال يصلي على كل حال، وكذا من جهل جهة القبلة يصلي باجتهاده وإن كان مخطئًا في نفس الأمر؛ لأن الله تعالى لا يكلف نفسًا إلا وسعها" (١).

وقد جاء في السُّنَّة الأمر باستقبال القبلة حال الصلاة، ففي حديث المسيء صلاته عند البخاري ومسلم وغيرهما عن أبي هريرة -رضي الله عنه- وفيه: "إذا قمت إلى الصلاة فأسبغ الوضوء، ثم استقبل القبلة فكبر، ثم اقرأ بما تيسر معك من القرآن" (٢).

فدل الأمر باستقبال على كونه محبوبًا مرضيًا عند الرب تبارك وتعالى، وبذلك يكون داخلًا في العبادة التي يحبها الله ويرضاها.

كذلك ما جاء في النصوص من تعظيم شأن القبلة، وبيان مكانتها، وقرنها بالصلاة، بل هي شرط من شروط صحتها، فعن أنس بن مالك (٣) قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "من صلى صلاتنا واستقبل قبلتنا وأكل ذبيحتنا فذلك المسلم الذي له ذمة الله وذمة رسوله" (٤).


(١) المرجع السابق (١/ ١٩٤).
(٢) صحيح البخاري، كتاب الأدب، باب: من رد فقال عليك السلام .. (٥/ ٢٣٠٧)، رقم (٥٨٩٧)، ومسلم في صحيحه، كتاب الصلاة، باب: وجوب قراءة الفاتحة في كل ركعة (١/ ٢٩٨)، رقم (٣٩٧)، وانظر: مصنف عبد الرزاق (٢/ ١٧٢).
(٣) هو: أنس بن مالك بن النضر بن ضمضم الإمام أبو حمزة الأنصاري النجاري المدني، خادم رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وله صحبة طويلة، وحديث كثير، وملازمة للنبي -صلى الله عليه وسلم- منذ هاجر إلى أن مات، ثم أخذ عن أبي بكر وعمر وعثمان، وعُمِّرَ دهرًا، وكان آخر الصحابة موتًا، توفي سنة ثلاث وتسعين وقد جاوز المائة. [أخرجه في: الإصابة في تمييز الصحابة (١/ ١٢٦)].
(٤) تقدم تخريجه في أول القاعدة.