للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

من أجل السلام على الرسول -صلى الله عليه وسلم-، وهذا الواقف لا يخلو من حالتين: إما أن يقصد باستقباله السلام على الرسول -صلى الله عليه وسلم-، وهذا لا يجوز؛ إذ لم يثبت فعل هذه الهيئة عن السلف لا من الصحابة ولا من بعدهم من أهل القرون المفضلة، ولا عن أهل العلم الموثوق بدينهم وعلمهم، وإنما كانوا يسلمون عليه في الصلاة أو عند القبر، كما أن هذه هي سُنَّة الرسول -صلى الله عليه وسلم- فإنه ما كان يسلم على الأموات من بعيد، وإنما كان هديه السلام عليهم في المقبرة، أو عند قبورهم، كما هو معلوم من سيرته عليه الصلاة والسلام؛ ولذا جاء في حديث بريدة (١) قال: (كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يعلمهم إذا خرجوا إلى المقابر فكان قائلهم يقول: ... السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين وإنا إن شاء الله للاحقون أسأل الله لنا ولكم العافية) (٢).

فإن قصد السلام والدعاء لنفسه أو لغيره متحريًا الإجابة باستقباله للقبر أو للحجرة، فإن ذلك من البدع التي تؤدي وتقود إلى الشرك بالله العظيم، إذ الأصل في من دعا لنفسه استقبال القبلة، ولا يقصد بدعائه لنفسه استقبال غير القبلة، كما أن في ذلك ذريعة إلى تعظيم القبور وعبادتها من دون الله تعالى.

أما الدعاء للميت نفسه فقد ثبت عنه -صلى الله عليه وسلم- الدعاء للميت في حال استقباله للقبر، فقد روي أنه كان: (إذا فرغ من دفن الميت وقف عليه


(١) هو: بريدة بن الحصيب بن عبد الله الأسلمي، من المهاجرين الأولين ممن هاجر إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- قبل قدومه المدينة ولحق به، ثم حمل عمامته وشدها في رمح ومشى بين يدي النبي -صلى الله عليه وسلم- يوم قدومه المدينة، كنيته أبو سهل، سكن البصرة ثم سجستان ثم مرو فاستوطنها إلى أن مات، وبها عقبه، وقبره بمرو معروف. [ترجمته في: مشاهير علماء الأمصار (ص ٦٠)].
(٢) رواه مسلم في صحيحه، باب: ما يقال عند دخول القبور والدعاء لأهلها (٢/ ٦٧١)، رقم (٩٧٥).