للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

٢ - أن الله تعالى نفى عن المشركين العبادة، ونفى أن يكونوا من العابدين لله سبحانه وتعالى، فقال عزَّ وجلَّ: {وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ (٣)} [الكافرون: ٣] مع عبادتم لله تعالى، وربما أخلصوا الدعاء في أوقات الشدة، ولكن لما كانت تلك العبادة مشوبة بالشرك بالله العظيم، وكانت فاقدة لأعظم أركانها -وهو توحيده سبحانه- نفيت عنهم العبادة، ونفي وصفهم بأنهم من العابدين لله تعالى.

يقول الإمام ابن تيمية في بيان معنى الآية: "قوله: {وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ (٥)} نفى عنهم عبادة معبوده، فهم إذا عبدوا الله مشركين به لم يكونوا عابدين معبوده، وكذلك هو إذا عبده مخلصًا له الدين لم يكن عابدًا معبودهم" (١).

ويقول الإمام عبد العزيز بن باز رحمه الله في بيان الفروق بين الطاعة والعبادة: "ومما يزيد الأمر وضوحًا أن من أطاع الله في بعض الأمور وهو متلبس بالشرك يستحق أن تنفى عنه العبادة، كما قال الله سبحانه في حق المشركين: {وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ (٣)} [الكافرون: ٣]، فنفى عنهم العبادة من أجل شركهم، ومعلوم أنهم يعبدون الله في الشدة بالتوحيد، وبالحج والعمرة، وبالصدقات في بعض الأحيان، ونحو ذلك، ولكن لما كانت هذه العبادة مشوبة بالشرك في الرخاء، وعدم الإيمان بالآخرة، إلى غير ذلك من أنواع الكفر جاز أن تنفى عن أصحابها" (٢).

٣ - يبيّن ذلك وصفه سبحانه لـ "عبادة المشركين" بأنها عبادة من دونه وعبادة لغيره مع تلبسهم بعبادته عزَّ وجلَّ، وتقربهم بشركهم وشركائهم إليه سبحانه رجاء القربة والشفاعة، ولكن لما كانت عبادتهم لله مختلطة


(١) مجموع الفتاوى (١٦/ ٦٠٠).
(٢) فتاوى ومقالات متنوعة لابن باز (٥/ ١٨).