للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وكذا قوله تعالى عن قول المشركين عن معبوداتهم: {مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى} [الزمر: ٣]، فهم كانوا يعبدون الله ويعبدون معه غيره، فلم ينتف عنهم الفعل لوقوعه منهم، ونفي الوصف، لأن من عبد غير الله لم يكن ثابتًا على عبادة الله، موصوفًا بها.

فتأمل هذه النكتة البديعة كيف تجد في طيها: أنه لا يوصف بأنه عابد الله وعبده المستقيم على عبادته إلا من انقطع إليه بكليته، وتبتل إليه تبتيلًا لم يلتفت إلى غيره ولم يشرك به أحدًا في عبادته، وأنه وإن عبده وأشرك به غيره فليس عابدًا لله ولا عبدًا له، وهذا من أسرار هذه السورة العظيمة الجليلة" (١).

ولذا قال القرطبي في تفسير قوله تعالى: {وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ (٣)} [الكافرون: ٣]: "فإن زعمتم أنكم تعبدونه فأنتم كاذبون؛ لأنكم تعبدونه مشركين، فأنا لا أعبد ما عبدتم؛ أي: مثل عبادتكم" (٢).

والمعنى: ولا أنتم عابدون مثل عبادتي التي هي توحيد وإفراد (٣).


(١) انظر: بدائع الفوائد بتصرف (١/ ١٤٤ - ١٤٥)، وقال السهيلي رحمه الله: "فَإِنْ قِيلَ: كَيْفَ يَقُولُ لَهُمْ: {وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ (٣)} وَهُمْ قَدْ قَالُوا: هَلُمّ فَلْنَعْبُدْ رَبّك، وَتَعْبُدُ رَبَّنَا، كَيْفَ نَفَى عَنْهُمْ مَا أَرَادُوا وَعَزَمُوا عَلَيْهِ؛ فَالْجَوَابُ مِنْ وَجْهَيْنِ؛ أَحَدُهُمَا: أَنّهُ عَلِمَ أَنّهُمْ لَا يَفْعَلُونَ فَأَخْبَرَ بِمَا عَلِمَ. الثّانِي: أَنّهُم لَوْ عَبَدُوهُ عَلَى الْوَجْهِ الّذِي قَالُوهُ مَا كَانَتْ عِبَادَة، وَلَا يُسَمّى عَابِدًا للهِ مَنْ عَبَدَهُ سَنَة وَعَبَدَ غَيْرَهُ أُخْرَى" [الروض الأنف (٢/ ١٤٧)].
(٢) تفسير القرطبي (٢٠/ ٢٢٨).
(٣) انظر: مجموع الفتاوى (١٦/ ٥٤٧).