للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

المؤلف رحمه الله من أن العبادة هي التوحيد؛ فكل عبادة لا تبنى على التوحيد فهي باطلة" (١).

ثانيًا: المقصود من القاعدة عدم إطلاق العبادة على من تلبَّس بالشرك؛ أي: بدون تقييد، أما مع التقييد فلا إشكال في ذلك؛ فإن "نفي العبادة مطلقًا ليس هو نفي لما قد يسمى عبادة مع التقييد، والمشرك إذا كان يعبد الله ويعبد غيره فيقال: إنه يعبد الله وغيره، أو يعبده مشركًا به، لا يقال إنه يعبد مطلقًا، والمعطل الذي لا يعبد شيئًا شر منه، والعبادة المطلقة المعتدلة هي المقبولة، وعبادة المشرك ليست مقبولة" (٢).

ثالثًا: يستفاد من القاعدة عدم وصف الكافر أو المشرك بأنه عابد لله تعالى، وإن كان يوصف بالفعل مع التقييد فيقال يعبد الله مع غيره، أو يعبده مشركًا به، أما وصفه بأنه عابد فهذا لا يصلح إطلاقه على المشرك أبدًا؛ لأن اسم الفاعل وصف دال على الثبوت والاستمرار، والكافر لا يستمر أبدًا على عبادة الله تعالى.

يقول الإمام ابن القيم في علة مجيء النفي في قوله تعالى: {وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ (٣)} [الكافرون: ٣] بصيغة اسم الفاعل دون الفعل: "وأما في حقهم -أي: الكافرين- فإنما أتى بالاسم الدال على الوصف والثبوت، دون الفعل؛ أي: أن الوصف الثابت اللازم العائد لله منتفٍ عنكم، فليس هذا الوصف ثابتًا لكم، وإنما ثبت لمن خص الله وحده بالعبادة لم يشرك معه فيها أحدًا، وأنتم لما عبدتم غيره فلستم من عابديه، وإن عبدوه في بعض الأحيان؛ فإن الشرك يعبد الله ويعبد معه غيره كما قال الله عن أهل الكهف: {وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ} [الكهف: ١٦]؛ أي: اعتزلتم معبودهم إلا الله فإنكم لم تعتزلوه.


(١) القول المفيد على كتاب التوحيد (١/ ٤٩).
(٢) انظر: مجموع الفتاوى (١٦/ ٥٧٤).