للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فالذُّل والخضوع للرب تبارك وتعالى هو أساس المحبة، وهو في حقيقته عزة النفس وشرف العبودية، (ولا يأنف العزيز الذي لا يذل لشيء من ذُله لمحبوبه، ولا يعده نقصًا ولا عيبًا، بل كثير منهم يعد ذله عزًا) (١).

يقول الإمام ابن تيمية في بيان ما يتضمنه لفظ العبادة: "ولفظ العبادة يتضمن كمال الذل، بكمال الحب، فلا بد أن يكون العابد محبًا للإله المعبود كمال الحب، ولا بد أن يكون ذليلًا له كمال الذل، فمن أحب شيئًا ولم يذل له لم يعبده، ومن خضع له ولم يحبه لم يعبده، وكمال الحب والذل لا يصلح إلا لله وحده، فهو الإله المستحق للعبادة التي لا يستحقها إلا هو، وذلك يتضمن كمال الحب، والذل، والإجلال، والإكرام، والتوكل، والعبادة، فالنفوس محتاجة إلى الله من حيث هو معبودها" (٢).

ومن المعلوم أن محبة المعبود ومعرفته هما أصل الإيمان في القلب، فمعرفته والعلم به أصل الإيمان القولي، ومحبته أصل الإيمان العملي، والإيمان القولي هو الذي ينبني عليه الإيمان العملي؛ فإن من عرف معبوده حق المعرفة، وعلم به تمام العلم، استلزم ذلك محبته، والذل له والخوف منه والرجاء فيه.

يقول الإمام ابن القيم: "والمعرفة تثمر المحبة والخوف والرجاء" (٣).

فالمحبة فرع المعرفة والعلم بالله تبارك وتعالى، فالحب يتبع العلم، بل هو شرط صحة المحبة، وكل من المحبة والمعرفة يستلزم الذل


(١) روضة المحبين (ص ٢٨٢).
(٢) الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح، لابن تيمية (٦/ ٣١).
(٣) مدارج السالكين (٢/ ٢٨).