للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

للمعبود والخضوع له والخوف منه والرجاء فيه، والانقياد له وطاعته، فلا تقوم محبة في القلب بدون الخوف والرجاء، وبدون الرغب والرهب.

يقول ابن القيم: "ومقام المحبة جامع لمقام المعرفة، والخوف، والرجاء، والإرادة، فالمحبة معنى يلتئم من هذه الأربعة وبها تحققها" (١).

ويقول رحمه الله أيضًا: "وهؤلاء المشركون يحبون أوثانهم، وأصنامهم، وآلهتهم مع الله كما يحبون الله، فهذه: محبة تأله، وموالاة، يتبعها الخوف، والرجاء، والعبادة، والدعاء، وهذه المحبة هي محض الشرك الذي لا يغفره الله، ولا يتم الإيمان إلا بمعاداة هذه الأنداد، وشدة بغضها، وبغض أهلها، ومعاداتهم، ومحاربتهم، وبذلك أرسل الله جميع رسله، وأنزل جميع كتبه، وخلق النار لأهل هذه المحبة الشركية، وخلق الجنة لمن حارب أهلها، وعاداهم فيه، وفي مرضاته" (٢).

وهذه المراتب من المحبة والخوف والرجاء هي مراتب الإيمان التي يقوم عليها، وهي المحرك لسير العبد إلى ربه تبارك وتعالى، إذ هي قوام العبودية وقطبها الذي لا تقوم بدونه.

يقول الإمام ابن تيمية: "ولا بد من التنبيه على قاعدة تحرك القلوب إلى الله عزَّ وجلَّ، فتعتصم به، فتقل آفاتها، أو تذهب عنها بالكلية، بحول الله وقوته.

فنقول: اعلم أن محركات القلوب إلى الله -عزَّ وجلَّ- ثلاثة: المحبة والخوف والرجاء، وأقواها المحبة، وهي مقصودة تراد لذاتها؛ لأنَّها تراد في الدنيا والآخرة، بخلاف الخوف، فإنَّه يزول في الآخرة، قال الله تعالى: {أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (٦٢)} [يونس: ٦٢]، والخوف: المقصود منه الزجر، والمنع من الخروج عن الطريق، فالمحبة تلقى العبد في السير إلى محبوبه؛ وعلى قدر ضعفها


(١) مدارج السالكين (١/ ١٣٦).
(٢) الروح، لابن القيم (ص ٢٥٤).