والحركات: إما إرادية، وإما طبعية، وإما قسرية؛ لأن الفاعل المتحرك إن كان له شعور بها فهي الإرادية، وإن لم يكن له شعور؛ فإن كانت على وفق طبع المتحرك فهي الطبعية، وإن كانت على خلاف ذلك فهي القسرية.
وبينا أن ما في السموات والأرض وما بينهما من حركة الأفلاك، والشمس، والقمر، وا نجوم، وحركة الرياح، والسحاب، والمطر، والنبات، وغير ذلك، فإنما هو بملائكة الله تعالى الموكلة بالسموات والأرض، الذين لا يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون، كما قال تعالى: {فَالْمُدَبِّرَاتِ أَمْرًا (٥)} [النازعات: ٥]، {فَالْمُقَسِّمَاتِ أَمْرًا (٤)} [الذاريات: ٤]، وكما دل الكتاب والسُّنَّة على أصناف الملائكة، وتوكلهم بأصناف المخلوقات.
ولفظ المَلَك يشعر بأنه رسول منفذ لأمر غيره، فليس لهم من الأمر شيء بل: كَم مِّن مَّلَكٍ فِي السَّمَاوَاتِ لَا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا إِلَّا مِن بَعْدِ أَن يَأْذَنَ اللّهُ لِمَن يَشَاء وَيَرْضى، {وَمَا نَتَنَزَّلُ إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّكَ لَهُ مَا بَيْنَ أَيْدِينَا وَمَا خَلْفَنَا وَمَا بَيْنَ ذَلِكَ وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا (٦٤) رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا (٦٥)} [مريم: ٦٤، ٦٥]، وإذا كان كذلك فجميع تلك المحبات، والإرادات، والأفعال، والحركات، هي عبادة لله رب الأرض والسموات كما قد بيناه في غير هذا الموضع.
وإذا كان كذلك، فأصل المحبة المحمودة التي أمر الله بها وخلق خلقه لأجلها هي ما في عبادته وحده لا شريك له، إذ العبادة متضمنة لغاية الحب بغاية الذل" (١).
ويزيد -رحمه الله- الأمر وضوحًا بقوله: "ولما كانت كل حركة وعمل في العالم فأصلها المحبة والإرادة، وكل محبة وإرادة لا يكون أصلها