للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ثانيًا: دلَّ قوله تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا وَأَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعَذَابِ (١٦٥)} [البقرة: ١٦٥] على أن التشريك في المحبة مناف لأصل التوحيد، فدلَّ ذلك على أن حصول المحبة أصل في تحقق التوحيد والعبادة، فكل من عَبَدَ الله تعالى فمحبته هي أصل هذه العبادة، كما أن كل من اتخذ ندًا من دونه لا بد أن يكون محبًا لهذا الند مشركًا بالله تعالى في هذه المحبة، ولذا حكم الله عليهم بالكفر والخلود في النار وأنهم لا يخرجون منها بسبب هذا التشريك وهذه التسوية في المحبة وتوابعها من الخوف والرجاء، كما قال سبحانه: {وَقَالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَمَا تَبَرَّءُوا مِنَّا كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ (١٦٧)} [البقرة: ١٦٧].

يقول الإمام ابن تيمية: "والعبادة تتضمن كمال الحب ونهايته، وكمال الذل ونهايته؛ فالمحبوب الذي لا يُعَظَّم، ولا يُذَلُّ له لا يكون معبودًا، والمُعَظَّم الذي لا يحب لا يكون معبودًا، ولهذا قال تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ} [البقرة: ١٦٥]، فبيَّن سبحانه أن المشركين بربهم الذين يتخذون من دون الله أندادًا، وإن كانوا يحبونهم كما يحبون الله، فالذين آمنوا أشد حبًا لله منهم لله ولأوثانهم؛ لأن المؤمنين أعلم بالله، والحب يتبع العلم، ولأن المؤمنين جعلوا جميع حبهم لله وحده، وأولئك جعلوا بعض حبهم لغيره، وأشركوا بينه وبين الأنداد في الحب، ومعلوم أن ذلك أكمل " (١).

لقد ذكر الله تعالى في هذه الآية ما يدل على أن العبادة لا بد أن تتضمن المحبة، سواء كانمت لله تعالى، أم للأوثان والأنداد، فالمحبة


(١) مجموع الفتاوى (١٠/ ٥٦).