للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ركن فيها، وإلا لم تكن عبادة، ولذا نصت الآية على أن هؤلاء المشركين يحبون أندادهم كحبهم لله تبارك وتعالى، ثم إن محبتهم لله تعالى لم تكن نافعة لهم، ولا منجية من الخلود في النار؛ لأن محبة الأوثان قد خالطتها وشابتها، والله تعالى لا يقبل من المحبة إلا المحبة الخالصة له دون ما سواه.

يقول الإمام ابن تيمية: "فدعاء إله آخر مع الله هو اتخاذ ند من دون الله يحب كحب الله؛ إذ أصل العبادة المحبة" (١).

ولذا بوَّب (٢) الإمام البخاري في "صحيحه" لهذه الآية: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ} [البقرة: ١٦٥] ثم ذكر تحتها حديث عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- قال: (قال النبي -صلى الله عليه وسلم- كلمة وقلت أخرى، قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "من مات وهو يدعو من دون الله ندًا دخل النار" وقلت أنا: من مات وهو لا يدعو لله ندًا دخل الجنة (٣).

فالآية فيها شرك المحبة، والحديث فيه شرك الدعاء، والإمام جعل الآية ترجمة للحديث؛ مما يدل على أن، كل من اتخذ من دون الله ندًا بأي شكل كان، كان واقعًا حتمًا في شرك المحبة، مما يؤكد أن المحبة أصل العبادة سواء كانت عبادة شرعية، أم عبادة شركية.

ويبيِّن الشيخ عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ التلازم الحاصل بين عبادة غير الله تعالى وبين محبة ذلك المعبود فيقول في معنى قوله تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ}: "فكل من اتخذ ندًا لله يدعوه من دون الله، ويرغب إليه، ويرجوه لما يؤمله منه من قضاء حاجاته، وتفريج كرباته -كحال عباد القبور والطواغيت والأصنام-،


(١) قاعدة في المحبة (ص ٧٥).
(٢) وقال بعد ذكر الآية: يعني أضدادًا واحدها ند. صحيح البخاري (٤/ ١٦٣٦).
(٣) أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب التفسير (٤/ ١٦٣٦)، برقم (٤٢٢٧).