للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

تنفع صاحبها، بل تضره؛ لأنَّها توجب التواني والانبساط، وربما آلت بكثير من الجهال المغرورين إلى أن استغنوا بها عن الواجبات، وقالوا: المقصود من العبادات إنما هو عبادة القلب، وإقباله على الله، ومحبته له، فإذا حصل المقصود فالاشتغال بالوسيلة باطل" (١).

ويقول أيضًا: "وقال بعضهم: (من عبد الله بالحب وحده فهو زنديق، ومن عَبَدَ الله بالخوف وحده فهو حروري، ومن عبده بالرجاء وحده فهو مرجئ، ومن عبده بالحب والخوف والرجاء فهو مؤمن موحد) (٢)؛ وذلك لأن الحب المجرد تنبسط النفوس فيه حتى تتوسع في أهوائها إذا لم يزعها وازع الخشية لله، حتى قالت اليهود والنصارى: {نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ} [المائدة: ١٨]، ويوجد في مدعي المحبة من مخالفة الشريعة ما لا يوجد في أهل الخشية، ولهذا قرن الخشية بها في قوله: {هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ (٣٢) مَنْ خَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ وَجَاءَ بِقَلْبٍ مُنِيبٍ (٣٣) ادْخُلُوهَا بِسَلَامٍ ذَلِكَ يَوْمُ الْخُلُودِ (٣٤)} [ق: ٣٢ - ٣٤] " (٣).

ويقول الشيخ الحكمي: "ولذا قال من قال من السلف: (من عبد الله بالحب وحده فهو زنديق، ومن عبده بالرجاء وحده فهو مرجئ، ومن عبده بالخوف وحده فهو حروري، ومن عبده بالحب والخوف والرجاء فهو مؤمن موحد).

قلت: وبيان كلامهم هذا: أن دعوى الحب لله بلا تذلل، ولا خوف، ولا رجاء، ولا خشية، ولا رهبة، ولا خضوع دعوى كاذبة: ولذا ترى من يدعي ذلك كثيرًا ما يقع في معاصي الله -عز وجل- ويرتكبها، ولا يبالي، ويحتج في ذلك بالإرادة الكونية، وأنه مطيع لها، وهذا شأن


(١) مجموع الفتاوى (١٥/ ٢٠).
(٢) هذا القول ينسب إلى مكحول الدمشقي، [وانظر إلى كلام السبكي السابق].
(٣) المصدر السابق (١٠/ ٨١ - ٨٢).