للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

لَمَحْجُوبُونَ (١٥) ثُمَّ إِنَّهُمْ لَصَالُو الْجَحِيمِ (١٦)} [المطففين: ١٥، ١٦].

كما أن أعلى الرجاء: ما تعلق بذاته سبحانه من رضاه، ورؤيته، ومشاهدته، وقربه، ولكن قد يغلط بعض الناس في هذا، فيظن: أن هذا كله ليس بداخل في نعيم الجنة، ولا في مسمى الجنة إذا أطلقت، ولا في مسمى عذاب النار، أو في مسمى النار إذا أطلقت، وليس كذلك.

وبقي ها هنا أمر آخر وهو أن يقال: ما أعده الله في جهنم من أنواع العذاب المتعلق بالأمور المخلوقة، لا يخافها العارفون، كما أن ما أعده الله في الجنة من أنواع النعيمِ المتعلق بالأمور المخلوقة، لا يحبه العارفون، ولا يطلبونه، وهذا أيضًا غلط، والنصوص الدالة على خلافه كثيرة جدًا، ظاهرة.

وهو أيضًا مناقض لما جبل الله عليه الخلق من محبة ما يلائمهم، وكراهة ما ينافرهم، وإنما صدر مثل هذا الكلام ممن صدر منه في حال سكره، واصطلامه، واستغراقه، وغيبة عقله، فظن أن العبد لا يبقى له إرادة أصلًا، فإذا رجع إليه عقله، وفهمه، علم أن الأمر على خلاف ذلك.

ويستمر الإمام ابن رجب في توضيح هذه المسألة فيقول: ونحن نضرب لذلك مثلًا يتضح به هذا الأمر -إن شاء الله تعالى- وهو: أن أهل الجنة إذا دخلوا الجنة، واستدعاهم الرب سبحانه إلى زيارته، ومشاهدته، ومحاضرته يوم المزيد، فإنَّهم ينسون عند ذلك كل نعيم عاينوه في الجنة قبل ذلك، ولا يلتفتون إلى شيء مما هم فيه من نعيم الجنة، حتى يحتجب عنهم سبحانه، ويحقرون كل نعيم في الجنة حين ينظرون إلى وجهه -جل جلاله-" (١).

ويقول الإمام ابن تيمية: "والمحبة ما لم تقترن بالخوف فإنها لا


(١) انظر: التخويف من النار لابن رجب (ص ١٦ - ١٨).