للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بالخوف، والرجاء، والمحبة، فهو موحد مؤمن، وسبب هذا أنه يجب على المؤمن أن يعبد الله بهذه الوجوه الثلاثة: المحبة، والخوف، والرجاء، ولا بد له من جميعها، ومن أخل ببعضها فقد أخل ببعض واجبات الإيمان.

وهؤلاء العارفون لهم ملحظان، أحدهما: أن الله تعالى يستحق لذاته أن يطاع، ويحب، ويبتغي قربه، والوسيلة إليه، مع قطع النظر عن كونه يثيب عباده، ويعاقبهم كما قال القائل:

هب لبعث لم تأتنا رسله ... وجاحمة النار لم تضرم

أليس من الواجب المستحق ... حياء العباد من المنعم

وقد أشار هذا إلى أن نعمه على عباده تستوجب منهم شكره عليها، وحياءهم منه، وهذا هو الذي أشار إليه النبي -صلى الله عليه وسلم-: "لما قام حتى تورمت قدماه، فقيل له: أتفعل هذا وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر، قال: أفلا أكون عبدًا شكورًا" (١).

والملحظ الثاني: أن أكمل الخوف والرجاء ما تعلق بذات الحق سبحانه دون ما تعلق بالمخلوقات في الجنة والنار، فأعلى الخوف خوف البعد، والسخط، والحجاب عنه سبحانه، كما قدم سبحانه ذكر هذا العقاب لأعدائه على صليهم النار في قوله: {كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ


= فهو زنديق؛ فمعناه: من لم يعبده خوفًا منه، ولا رجاءً، ولا لصفة أخرى غير المحبة، ولا شك أنه متى فرض بهذه المثابة انتفى اعتقاد الوجوب، وصار كمن يعمل لمن يحبه عملًا لأجل محبته له، لا لاستحقاقه عليه ذلك العمل، ومن اعتقد هذا في حق الله تعالى فهو كافر، وإظهاره للإيمان بلسانه وبطاعاته الظاهرة فقط مثل إظهار الزنديق الإسلام بالشهادتين، وإسراره الكفر؛ فلهذا شبهه بالزنديق من جهة أن اعتقاده كفر، وعمله عمل الإسلام). [فتاوى السبكي (٢/ ٥٥٩)].
(١) رواه البخاري في صحيحه، باب: قيام النبي -صلى الله عليه وسلم- حتى ترم قدماه (١/ ٣٨٠)، برقم (١٠٧٨)، ومسلم في صحيحه، باب: باب إكثار الأعمال والاجتهاد في العبادة (٤/ ٢١٧١)، برقم (٢٨١٩).