للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وحده كالمرجئة، وكذلك من عبد الله بالخوف وحده كالخوارج" (١).

ثالثًا: تضمنت القاعدة الرد على كل من تعبد لله بواحد من هذه الثلاثة، كمن ادعى محبة الله تعالى بدون الخوف والرجاء، أو تعبَّد لله بالخوف وحده، أو بالرجاء وحده، فاعلم أنه لا تصح محبة ولا تكمل إلا إذا قارنها أصل الخوف من الله تعالى، والرغبة فيه -عز وجل-، وهكذا كل واحد من الثلاثة لا يصح بدون البقية، فهي متلازمة لا ينفك أحدها عن الآخر.

قال وهب بن منبه (٢): "قال حكيم من الحكماء: إني لأستحي من الله -عز وجل- أن أعبده رجاء ثواب الجنة قط فأكون كالأجير السوء، إذا أعطي عمل، وإذا لم يعط لم يعمل، وإني لأستحي من الله -عز وجل- أن أعبده مخافة النار قط فأكون كالعبد السوء، إن خاف عمل، وإن لم يخف لم يعمل، وأنه يستخرج حبه مني ما لا يستخرجه مني غيره" (٣).

يقول الإمام ابن رجب بعد أن ذكر أثر وهب بن منبه هذا: "وفي تفسير لهذا الكلام من بعض رواته: وهو أنه ذم العبادة على وجه الرجاء وحده، أو على وجه الخوف وحده، وهذا حسن، وكان بعض السلف يقول: من عبد الله بالرجاء وحده فهو مرجئ، ومن عبده بالخوف وحده فهو حروري، ومن عبد الله بالحب وحده فهو زنديق (٤)، ومن عبده


(١) مجموعة رسائل في التوحيد والإيمان (ص ٣٨٣).
(٢) هو: أبو عبد الله، وهب بن منبه بن كامل الأبناوي، اليماني، تابعي ثقة، أخذ عن ابن عباس، وأبي هريرة وأبي سعيد وابن عمر وغيرهم، ولد سنة ٣٤ هـ، ومات سنة ١١٤ هـ، وقيل: ١١٣ هـ. [انظر ترجمته في: التاريخ الكبير (٨/ ١٦٤)، وتذكرة الحفاظ (١/ ١٠٠)].
(٣) حلية الأولياء (٤/ ٥٣ - ٥٤)، والمقصود الجمع بين هذه الأركان الثلاثة للعبادة، كما هي حال الأنبياء والمرسلين؛ إذ كانوا يدعون ربهم خوفًا وطمعًا، ولا يخفى أن جعل العبادة من أجل المحبة فقط لا غير دون الخوف والرجاء من عقائد أهل التصوف التي ضلوا بسببها.
(٤) يقول السبكي في معنى زنديق في قول مكحول: (وقول مكحول: من عبد الله بالمحبة =