للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والصالحين، يتقربون إلى ربهم، ويخافونه، ويرجونه، فهم عبيده كما أنكم عبيده، فلماذا تعبدونهم من دونه، وأنتم وهم عبيد له، وقد أمر سبحانه بالخوف منه في قوله: {فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (١٧٥)} [آل عمران: ١٧٥]، فجعل الخوف منه شرطًا" (١).

ويقول -رحمه الله- أيضًا: "فصل: القلب في سيره إلى الله -عز وجل- بمنزلة الطائر" فالمحبة رأسه، والخوف والرجاء جناحاه، فمتى سلم الرأس والجناحان فالطير جيد الطيران، ومتى قطع الرأس مات الطائر، ومتى فقد الجناحان فهو عرضة لكل صائد، وكاسر، ولكن السلف: استحبوا أن يقوى في الصحة جناح الخوف على جناح الرجاء، وعند الخروج من الدنيا يقوى جناح الرجاء على جناح الخوف ... فالمحبة هي المركب، والرجاء حاد، والخوف سائق، والله الموصل بمنه وكرمه" (٢).

ويقول- الإمام المجدد- محمد بن عبد الوهاب في تفسير قوله تعالى في سورة الفاتحة: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (٢) الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (٣) مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ (٤)} [الفاتحة: ٢ - ٤]: "هذه الآيات الثلاث تضمنت ثلاث مسائل؛ (الآية الأولى): فيها المحبة؛ لأن الله منعم، والمنعم يحب على قدر إنعامه ... (الآية الثانية): فيها الرجاء، و (الآية الثالثة): فيها الخوف، {إِيَّاكَ نَعْبُدُ} أي: أعبدك يا رب بما مضى بهذه الثلاث؛ بمحبتك، ورجائك، وخوفك، فهذه الثلاث (أركان العبادة)، وصرفها لغير الله شرك، وفي هذه الثلاث الرد على من تعلق بواحدة منهن، كمن تعلق بالمحبة وحدها، أو تعلق بالرجاء وحده، أو تعلق بالخوف وحده، فمن صرف منها شيئًا لغير الله فهو مشرك، وفيها من الفوائد: الرد على (الثلاث الطوائف) التي كل طائفة تتعلق بواحدة منها، كمن عَبَدَ الله تعالى بالمحبة وحدها، وكذلك من عَبَدَ الله بالرجاء


(١) طريق الهجرتين (ص ٤٢٢).
(٢) مدارج السالكين (١/ ٥١٧).