للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

هؤلاء المنحرفين في هذا الباب خطؤهم في مفهوم الجنة الشرعي، حيث قصروا ذلك المفهوم على المآكل والمشارب واللباس، والنكاح، والتمتع بالمخلوقات، ونفوا أن يكون الخالق نفسه من النعيم في الجنة، وأن رؤيته ومحبته، والقرب منه من مفهوم الجنة.

يقول الإمام ابن تيمية: "ومن هنا يتبين زوال الاشتباه في قول من قالى: ما عبدتك شوقًا إلى جنتك، ولا خوفًا من نارك، وإنما عبدتك شوقًا إلى رؤيتك، فإن هذا القائل ظن هو ومن تابعه: أن الجنة لا يدخل في مسماها إلا الأكل، والشرب، واللباس، والنكاح، والسماع، ونحو ذلك مما فيه التمتع بالمخلوقات، كما يوافقه على ذلك من ينكر رؤية الله من الجهمية، أو من يقر بها ويزعم أنه لا تمتع بنفس رؤية الله، كما يقوله طائفة من المتفقهة، فهؤلاء متفقون على أن مسمى الجنة والآخرة لا يدخل فيه إلا التمتع بالمخلوقات، ولهذا قال بعض من غلط من المشائِخ لما سمع قوله: {مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآخِرَةَ} [آل عمران: ١٥٢]، قال: فأين من يريد الله، وقال آخر في قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ} [التوبة: ١١١]، قال: إذا كانت النفوس والأموال بالجنة فأين النظر إليه، وكل هذا لظنهم أن الجنة لا يدخل فيها النظر.

والتحقيق: أن الجنة: هي الدار الجامعة لكل نعيم، وأعلى ما فيها النظر إلى وجه الله، وهو من النعيم الذي ينالونه في الجنة كما أخبرت به النصوص، وكذلك أهل النار فإنهم محجوبون عن ربهم، يدخلون النار، مع أن قائل هذا القول إذا كان عارفًا بما يقولى فإنما قصده: أنك لو لم تخلق نارًا، أو لم تخلق جنة، لكان يجب أن تعبد، ويجب التقرب إليك، والنظر إليك، ومقصوده بالجنة هنا: ما يتمتع فيه المخلوق.

ولكن تارة يقوم بالقلب من محبة الله ما يدعوه إلى طاعته، ومن إجلاله، والحياء منه، ما ينهاه عن معصيته، كما قالى عمر -رضي الله عنه-: (نعم