للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الفائدة الثانية: عرفنا مما سبق في تقرير معنى القاعدة أن الأعمال يحكم عليها بالصحة والفساد إما بسبب ذواتها، أو بسبب نياتها ومقاصدها، ولا شك أن المحرمات؛ سواء كانت في نفسها محرمة، أو كانت تؤدي إلى المحرم، كل ذلك مما يوصف بالفساد والبطلان بذاته، إذ الوسيلة إلى المحرم محرمة، ولو كانت المحرمات أو وسائلها صالحة، وكان نفعها غالب لما حرمت، وعليه فالنية مهما كانت صالحة وخالصة لله تبارك وتعالى، فإنها لا تؤثر في المحرمات صحة وصلاحًا، لأن الله أمرنا بترك المحرم والابتعاد منه، وهذا هو الواجب نحو كل ما حرمه الله تعالى، أو حرمه رسوله -صلى الله عليه وسلم-، إذ لا يحلُّ لأحد أن يفعل المحرم بحجة أن نيته فيه صالحة، وأنه ما أراد من ورائه إلا الخير، وكل ذلك من تلبيس إبليس عليه لعنة الله.

يقول الرازي في "تفسيره": "اعلم أن الأعمال على ثلاثة أقسام: طاعات، ومعاصي، ومباحات، أما المعاصي: فهي لا تتغير عن موضوعاتها بالنية، فلا يظن الجاهل أن قوله -عليه الصلاة والسلام-: "إنما الأعمال بالنيات" يقتضي انقلاب المعصية طاعة بالنية؛ كالذي يطعم فقيرًا من مال غيره، أو يبني مسجدًا من مال حرام" (١).

الفائدة الثالثة: دلت القاعدة على أن الأعمال تكون فاسدة إذا كانت نيتها فاسدة، حتى لو كانت الأعمال في أصلها صحيحة، وجائزة، ومباحة، فإنها تنتقل إلى حكم الفساد والمنع والتحريم بسبب النية الفاسدة التي قارنتها، وهذا يفيد في إبطال الحيل التي قد تكون في أصلها عملًا حلالًا، وكانت النية في العمل فاسدة تؤدي إلى محرم، وهذا عكس مفهوم القاعدة، مما يدل على علاقة التلازم بين الأعمال والنيات.

يقول الإمام ابن القيم: "فالنية روح العمل، ولبه، وقوامه، وهو


(١) التفسير الكبير (٤/ ٦).