للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وإن كانت أقوالًا، فالقلب أخص بها، فلا بد أن يعلم القلب وجود ما يقوله، أو بما يقول ويقصده؛ ولهذا كانت الأقوال في الشرع لا تعتبر إلا من عاقل يعلم ما يقول، ويقصده، فأما المجنون، والطفل الذي لا يميز، فأقواله كلها لغو في الشرع لا يصح منه إيمان، ولا كفر، ولا عقد من العقود، ولا شيء من الأقوال باتفاق المسلمين" (١).

ويقول الإمام ابن القيم: "الكلام في مسألة النية شديد الارتباط بأعمال القلوب، ومعرفة مراتبها، وارتباطها بأعمال الجوارح، وبنائها عليها، وتأثيرها فيها صحة وفسادًا، وإنما هي الأصل المراد المقصود، وأعمال الجوارح تبع، ومكملة، ومتممة، وأن النية بمنزلة الروح، والعمل بمنزلة الجسد للأعضاء الذي إذا فارق الروح فموات، وكذلك العمل إذا لم تصحبه النية فحركة عابث، فمعرفة أحكام القلوب أهم من معرفة أحكام الجوارح؛ إذ هي أصلها، وأحكام الجوارح متفرعة عليها" (٢).

ويقول رحمه الله: "ومن تأمل الشريعة في مصادرها، ومواردها، علم ارتباط أعمال الجوارح بأعمال القلوب، وأنها لا تنفع بدونها، وأن أعمال القلوب أفرض على العبد من أعمال الجوارح، وهل يميز المؤمن عن المنافق، إلا بما في قلب كل واحد منهما من الأعمال التي ميزت بينهما، وهل يمكن أحد الدخول في الإسلام إلا بعمل قلبه قبل جوارحه، وعبودية القلب أعظم من عبودية الجوارح، وأكثر، وأدوم، فهي واجبة في كل وقت؛ ولهذا كان الإيمان واجب القلب على الدوام، والإسلام واجب الجوارح في بعض الأحيان، فمركب الإيمان القلب، ومركب الإسلام الجوارح" (٣).


(١) مجموع الفتاوى (١٤/ ١١٣ - ١١٥).
(٢) بدائع الفوائد (٣/ ٧٠٥).
(٣) بدائع الفوائد (٣/ ٧١٠).