للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أ- أن هذه القواعد هي كليات اشتملت على مسائل جزئية، وفروع عديدة، فهي بذلك تجمع الكم الكثير من المسائل تحت مبنى القاعدة ذات الكلمات القليلة، والعبارات المختصرة، والألفاظ المقتضبة، وهذه هي صفة النصوص الشرعية التي استخلصت منها القواعد الشرعية، فإن النبي -صلى الله عليه وسلم- قد أوتي جوامع الكلم كما أخبر عن نفسه في قوله -صلى الله عليه وسلم-: "وبعثت بجوامع الكلم" (١)، فكلامه -صلى الله عليه وسلم- تضمن المعاني الكثيرة في الألفاظ اليسيرة، وفي هذا حث على التفهم والاستنباط (٢).

وهكذا سائر نصوص الشريعة سواء كانت من القرآن أو من السُّنَّة عباراتها موجزة، على هيئة الكليات المتضمنة للجزئيات والمسائل.

يقول الإمام ابن تيمية: "فإن الله سبحانه بعث محمدًا -صلى الله عليه وسلم- بجوامع الكلم، فالكلم التي في القرآن جامعة محيطة، كلية عامة لما كان متفرقًا منتشرًا في كلام غيره" (٣).

فهو -صلى الله عليه وسلم- يتكلم بالكلمة الجامعة العامة التي هي قضية كليه، وقاعدة عامة تتناول أنواعًا كثيرة، وتلك الأنواع تتناول أعيانًا لا تحصى، بل هي عامة في كل ما يدخل في لفظها ومعناها، سواء كانت الأعيان موجودة في زمانه ومكانه أو لم تكن (٤).

يقول الإمام ابن القيم: "وإذا كان أرباب المذاهب يضبطون مذاهبهم، ويحصرونها بجوامع تحيط بما يحل ويحرم عندهم، مع قصور بيانهم، فالله ورسوله المبعوث بجوامع الكلم أقدر على ذلك فإنه -صلى الله عليه وسلم- يأتي


(١) قطعة من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه-: أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الجهاد والسير، باب: قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "نصرت بالرعب مسيرة شهر" (٣/ ١٠٨٧)، برقم (٢٨١٥)، ومسلم في صحيحه، كتاب المساجد (١/ ٣٧١)، برقم (٥٢٣).
(٢) انظر: كشف المشكل لابن الجوزي (٣/ ٣٤٩).
(٣) مجموع الفتاوى (٤/ ١٣٣).
(٤) انظر: مجموع الفتاوى (١٩/ ٢٨٠)، و (٣٤/ ٢٠٥).