كان ماكرًا مخادعًا، ويكفي هذا الحديث وحده في إبطال الحيل، ولهذا صدَّر به حافظ الأمة: محمد بن إسماعيل البخاري (إبطال الحيل) والنبي -صلى الله عليه وسلم- أبطل ظاهر هجرة مهاجر أم قيس بما أبطنه ونواه من إرادة أم قيس" (١).
الفائدة الرابعة: دلت القاعدة على ضرورة اجتماع العمل الظاهر والنية، فلا يغني عمل بلا نية، ولا تغني نية ليس معها ما يستطاع من العمل، فإذا كان العمل غير مقدور عليه، أو حصل عائق يمنع حصوله ثبت عند ذلك أجر النية، ولو استقلت عن العمل، فقد وسع الله تعالى على هذه الأمة، وأنعم عليهم بإعطائهم الأجر والثواب بالنية الصالحة، ولو لم يتبعها عمل، فكل فعل لم يقسم الله تعالى لهم مباشرته، والقيام به، -مع عزمهم على فعله- فإنهم يحوزون فضله وثوابه بالنية، ولذا قال عليه السلام: "إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى"، ولم يقل -صلى الله عليه وسلم-: وإنما لكل امرئ ما عمل ونوى، بل ربط الأجر بالنية فقط، مع أن النية أيضًا عمل قلبي، فدلَّ ذلك على أن النية الصالحة يثاب عليها إذا خلت من العمل غير المقدور عليه، أما إذا كان العمل مقدورًا عليه وتركه تكاسلًا، ورغبة عنه اكتفاء وتعويلًا على النية، فالحاصل والحالة هذه أن النية الشرعية لم تتحقق، إذ لو وجدت النية الصادقة، وعزيمة القلب، مع القدرة على العمل الظاهر لأثمر ذلك حصول العمل.
يقول الإمام ابن القيم: "وهذا لأن قاعدة الشريعة: أن العزم التام إذا اقترن به ما يمكن من الفعل، أو مقدمات الفعل، نُزِّل صاحبه في الثواب والعقاب منزلة الفاعل التام، كما دلى عليه قوله -صلى الله عليه وسلم-: "إذا تواجه المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار، قالوا: هذا القاتل فما بال