للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قال ابن المنبر (١): "المرجئة (٢) تزعم أن المعتبر الإيمان باللسان، ولا حظ للقلب فيه، فردّ عليهم باعتبار نية القلب في الأعمال مطلقًا، فدخل الإيمان وغيره من العبادات" (٣).

والمقصود: أن الإيمان وجميع شعبه لا بد فيه من نية، بل النية ركن فيه، فإن أصل النية هو محبة الله تعالى وإرادة قصده بالعبادة، فالنية في جميع الأعمال القلبية جزء مسماها، فلا عبرة بها، بل تعتبر خارجة عن حدها ومسماها بدون النية.

يقول الإمام ابن تيمية: "والمحبة لا تستلزم نقصًا، بل هي صفة كمال، بل هي أصل الإرادة، فكل إرادة فلا بد أن تستلزم محبة، فإن الشيء إنما يراد لأنه محبوب، أو لأنه وسيلة إلى المحبوب، ولو قدر عدم المحبة لامتنعت الإرادة، فإن المحبة لازمة للإرادة، فإذا انتفى اللازم انتفى الملزوم، وكذلك المحبة" (٤).


(١) هو: أحمد بن محمد بن منصور الجذامي الإسكندراني ابن المنير المفسر العلامة ناصر الدين أبو العباس، أحد الأئمة المتبحرين في العلوم من التفسير والفقه والعربية والبلاغة والإنشاء، من تصانيفه: التفسير للقرآن العظيم، والانتصاف من الكشاف بين فيه ما تضمنه من الاعتزال، ومناسبات تراجم البخاري، ولد في سنة عشرين وستمائة، وتوفي سنة ثلاث وثمانين وستمائة بالإسكندرية. [ترجمته في: طبقات المفسرين للداودي (ص ٢٥٢)].
(٢) المرجئة: اشتقاقها من الإرجاء بمعنى التأخير، أو بمعنى إعطاء الرجاء، وهم على أنواع؛ منهم مرجئة الفقهاء: وهم الذين أخرجوا الأعمال عن مسمى الإيمان، ونفوا أن يزيد الإيمان أو ينقص، ومنعوا الاستثناء فيه. ومنهم المرجئة الخالصة، وهم الجهمية الذين يقولون: إن الإيمان هو المعرفة، ومنهم مرجئة الكرامية الذين يقولون: الإيمان هو قول اللسان. [انظر: الملل والنحل للشهرستاني (١/ ١٦١)، والفرق بين الفرق (ص ١٨٧)، ومجموع الفتاوى (٧/ ٢٩٧ - ٣١١)، و (٧/ ١٩٥)، و (٧/ ٥٤٣ - ٥٥١)، ومنهاج السُّنَّة (٧/ ٢٣١)].
(٣) المتواري على أبواب البخاري (ص ٥٦).
(٤) منهاج السُّنَّة النبوية (٥/ ٤٠٠).