للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وهكذا إلهية الله تعالى تستلزم النوعين الآخرين وتتضمنهما؛ فإنهما الأصل والأساس الذي ينبني عليه (١) إذ لا يتصور وجوده بدونهما؛ فإن عبادة المعبود مبنية على وجوده وثباته، فإذا لم يثبت فكيف تصرف له العبادة، ولا يثبت الشيء إلا بثبوت ذاته وصفاته، إضافة إلى أن صفة الألوهية مستتبعة لسائر صفات الكمال، ونعوت الجمال والجلال، نافية لسمات النقصان (٢)، وعليه فكل نوع منها لازم وملزوم للنوعين الآخرين، لا ينفك أحدهما عن الآخر أبدًا.

يقول الإمام ابن أبي العز: "فلما كان هذا الشرك في الربوبية موجودًا في الناس بيّن القرآن بطلانه كما في قوله تعالى: {مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذًا لَذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلَا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ} [المؤمنون: ٩١] فتأمل هذا البرهان الباهر بهذا اللفظ الوجيز الظاهر؛ فإن الإله الحق لا بد أن يكون خالقًا فاعلًا يوصل إلى عابده النفع ويدفع عنه الضر" (٣).

وهكذا أضداد هذه الأنواع من الشرك فإنها أيضًا متلازمة، فالإشراك في الربوبية يستلزم الإشراك في الإلهية إذ هو أصله وأساسه ومقدمته، ولا شك أن الخلل والانحراف في الأساس يدل على الانحراف في الفرع القائم عليه، وهكذا فالشرك في الإلهية يستلزم الشرك في الربوبية والأسماء والصفات، وكذلك الأمر في حال الشرك في الأسماء والصفات، فجميع أنواع الشرك متلازمة، فكل واحد منها لازم وملزوم للنوعين الآخرين لا ينفك أحدهما عن الآخر، فالخلل والانحراف في أي نوع من أنواع التوحيد إنما هو دليل ومؤشر إلى خلل ولا بد في النوعين الآخرين؛ فإن هذه الأنواع يصحح بعضها البعض ويقوي بعضها البعض فإذا ثبت وصح


(١) انظر: قاعدة توحيد الربوبية هو الأصل توحيد الألوهية ودليله الأكبر (ص ٦٦٠).
(٢) انظر: تفسير أبي السعود (٧/ ٢٤٢).
(٣) شرح العقيدة الطحاوية (ص ٨٥).