للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

المشركين على اختلاف أديانهم ومذاهبهم إنما تكون بدعوتهم إلى شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله؛ سواء كانوا من المعطلين، أو من المشركين، أو من أي نحلة كانوا، وهذا يدل على تضمن واستلزام كلمة التوحيد لتوحيدي الربوبية والأسماء والصفات.

ولذا جاء في الحديث المتفق عليه عنِ ابنِ عَبَّاسٍ رضي الله تعالى عنهُما أنَّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لَمَّا بَعَثَ مُعَاذًا -رضي الله عنه- عَلَى اليَمَنِ قال: "إنَّكَ تَقْدُمُ عَلَى قَوْمٍ أهْلِ كِتَابِ فلْيَكُنْ أوَّلَ ما تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ عِبَادَةُ الله، فإذَا عَرَفُوا الله فأخْبِرْهُم أنَّ الله قَد فَرَضَ عَلَيْهِمْ خَمْسَ صَلَواتٍ في يَوْمِهِمْ ولَيْلَتِهِمْ، فإذَا فَعَلُوا فأخْبِرْهُمْ أنَّ الله فَرَضَ عَلَيْهِمْ زَكاةً تُؤْخَذُ مِنْ أمْوَالِهِمْ وَتُرَدُّ عَلَى فُقَرَائِهِمْ، فإذَا أطَاعُوا بِهَا فَخُذْ مِنْهُمْ وَتَوَقَّ كَرَائِمَ أمْوَالِ النَّاسِ" (١).

والذين بعث إليهم معاذ -رضي الله عنه- باليمن هم أهل الكتاب كما جاء التنصيص عليهم في الحديث، وكانوا من اليهود والنصارى كما نص على ذلك بعض أهل العلم (٢)، ولا شك أن فيهم من ألوان الشرك وأنواعه المتعددة ما لا يخفى، ففيهم الشرك والتعطيل ونسبة الولد إلى الله تبارك وتعالى، ومع ذلك فالنبي -عليه السلام- أرشد معاذًا آمرًا له بالبداءة بالتوحيد وشهادة أن لا إله إلا الله، مع ما عند هؤلاء من الشرك في الربوبية، فدلَّ


(١) أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الزكاة، باب: لا تؤخذ كرائم أموال الناس في الصدقة (٢/ ٥٢٩)، رقم (١٣٨٩)، ومسلم في صحيحه، كتاب الإيمان، باب: الدعاء إلى الشهادتين وشرائع الإسلام (١/ ٥٠)، برقم (١٩). من حديث ابن عباس -رضي الله عنهما-.
(٢) صرح بهذا الإمام أبو العباس القرطبي حيث قال في معنى الحديث: "يعني به: اليهودَ والنصارى؛ لأنهم كانوا في اليمنِ أكثرَ مِنْ مشركي العَرَب أو أغلَبَ، وإنما نبَّهه على هذا؛ ليتهيَّأَ لمناظرتهم، ويُعِدَّ الأدلَّةَ لإفحامهم؛ لأنَّهَم أهلُ عِلْمٍ سابقٍ، بخلافِ المُشْرِكين وعَبَدَةِ الأوثان". [المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم (١/ ١٨١)، ونص عليه العلامة علي القاري في مرقاة المفاتيح (٤/ ٢٢٣)]، وذكر شيخ الإسلام أنهم: "كانوا من أهل الكتاب، كانوا يهودًا؛ فإن اليهود كانوا كثيرين بأرض اليمن". [الفتاوى (١٧/ ٣٥٤)].