للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

هذا على أن كلمة التوحيد -أي: توحيد العبادة- لا تنفك في مدلولها عن بقية الأنواع؛ فإن الدعوة إليها تتضمن بلا شك الدعوة إلى التوحيد العلمي الخبري.

يقول الإمام ابن تيمية: "وهذا مما اتفق عليه أئمة الدين وعلماء المسلمين، فإنهم مجمعون على ما علم بالاضطرار من دين الرسول: أن كل كافر فإنه يدعى إلى الشهادتين؛ سواء كان معطلًا، أو مشركًا، أو كتابيًا، وبذلك يصير الكافر مسلمًا، ولا يصير مسلمًا بدون ذلك ... والمقصود هنا أن السلف والأئمة متفقون على أن أول ما يؤمر به العباد الشهادتان، ومتفقون على أن من فعل ذلك قبل البلوغ لم يؤمر بتجديد ذلك عقب البلوغ، والشهادة تتضمن الإقرار بالصانع تعالى، وبرسوله، لكن مجرد المعرفة بالصانع لا يصير به الرجل مؤمنًا، بل ولا يصير مؤمنًا بأن يعلم أنه رب كل شيء حتى يشهد أن لا إله إلا الله، ولا يصير مؤمنًا بذلك حتى يشهد أن محمدًا رسول الله" (١).

ثالثًا: ومما يدل على التلازم بين الشرك في العبادة وتعطيل أسماء الله وصفاته: أن العبادة لا بد فيها من القصد والإرادة للمعبود والتوجه إليه، وعليه فلا بد أن يكون المعبود في جهة يتوجه إليه العابد، فإذا انتفت الجهة بحيث لم يوجد المعبود في جميع الجهات كان في حكم المعدوم، وكانت النتيجة ولا بد انتفاء العبادة، لكن لا بد للقلب من تعلق فرجع به الأمر فتعلق بغير الله تعالى حبًا وتألهًا وخضوعًا فوقع الشرك في العبادة ولا بد بسبب ما قام بقلبه من التعطيل، فثبت بذلك التلازم بين التعطيل وبين الشرك في العبادة.

يقول شيخ الإسلام: "كون الرب إلهًا معبودًا يستلزم أن يكون بجهة من عابده بالضرورة، وذلك أن العبادة تتضمن قصد المعبود وإرادته


(١) درء التعارض (٨/ ٧، ١١).