وتوجه القلب إليه، وهذا أمر يحسه الإنسان من نفسه في جميع مراداته ومقصوداته ومطلوباته ومحبوباته التي قصدها وأحبها وطلبها دون قصده وحبه وطلبه للآلهة، كما قال تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا وَأَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعَذَابِ (١٦٥)} [البقرة: ١٦٥].
والإنسان يحس من نفسه أنه إذا قصد شيئًا أو أحبه غير نفسه فلا بد وأن يكون بجهة منه، وأنه إذا قيل له: اقصد أو اطلب أو اعبد أو أحب من لا يكون بجهة منك، ولا هو فيك، ولا فوقك، ولا تحتك، ولا أمامك، ولا وراءك، ولا عن يمينك، ولا عن شمالك كان هذا أمرًا بالممتنع لذاته ليس هو أمرًا بممكن لا يطيقه، والممتنع لذاته يمتنع الأمر الشرعي به باتفاق المسلمين، ويكون حقيقة الأمر: اعبد من يمتنع أن تعبد، واقصد من يمتنع أن تقصد، وادع من يمتنع أن يدعى، ووجه وجهك إلى من يمتنع التوجه إليه، وهذا أمر بالجمع بين النقيضين.
وقد ذكرنا نظير هذا غير مرة، وبينا أن قول الجهمية يستلزم الجمع بين النقيضين، وأن يكون موجودًا معدومًا، معبودًا غير معبود، مأمورًا بعبادته منهيًا عنها. فحقيقته أمر بعبادة العدم المحض، والنفي الصرف، وترك عبادة الله سبحانه، وهذا رأس الكفر وأصله، وهو لازم لهم لزومًا لا محيد عنه" (١).
ويقول -رحمه الله- أيضًا: "وقالوا -أي: الجهمية-: إنه مجهول لا يعرف بصفة، عرف المسلمون أنهم لا يعبدون شيئًا؛ لأن العبادة أصلها قصد المعبود وإرادته، والقصد والإرادة مستلزمة للعلم بالمراد المقصود، فما يكون مجهولًا لا يعرف بصفة يمتنع أن يكون مقصودًا، فيمتنع أن يكون معبودًا، والعبادة هي أمر ديني أمر الله بها ورسوله، وهي أصل دين