للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يفزعون في كل حال إلا إليه، ولا يدعونه بغير أسمائه الحسنى، ولا يتوصلون إليه بالشفعاء" (١).

ولذا من اتخذ غير عبادة الله وتوحيده دينًا، كان ولا بد متخذًا غير الله معبودًا، فكان ممن ابتغى غير دين الإسلام دينًا، فلا يقبل الله منه، ولذا يقول سبحانه: {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ (٨٥)} [آل عمران: ٨٥].

يقول الإمام ابن تيمية: "فبيَّن سبحانه أنه بهذا التوحيد بعث جميع الرسل، وأنه بعث إلى كل أمة رسولًا به، وهذا هو الإسلام الذي لا يقبل الله من الأولين ولا من الآخرين دينًا غيره" (٢).

٣ - أن إقرار المشركين بتوحيد الربوبية دون توحيد العبادة لم يعصم دماءهم ولم يحرّم أموالهم، بل أمر الله نبيه بقتالهم، فأوجب سفك دمائهم، وأحلَّ له أخذ أموالهم، وأباح سبي نساءهم، ولو كان اعترافهم وإيمانهم بربوبية الله تعالى نافعًا لهم لما أمر الله بقتالهم حتى يوحدوه ويفردوه بالعبادة، ولكان قتال النبي -صلى الله عليه وسلم- لهم، وسفكه لدمائهم، وسبيه لذراريهم ونسائهم، هو عين الظلم والجور.

قال الله تعالى: {فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٥)} [التوبة: ٥].

يقول الإمام الطبري في تفسير الآية: "فإن رجعوا عما نهاهم عليه من الشرك بالله، وجحود نبوة نبيه محمد -صلى الله عليه وسلم- إلى توحيد الله، وإخلاص العبادة له دون الآلهة والأنداد، والإقرار بنبوة محمد -صلى الله عليه وسلم- {وَأَقَامُواْ اَلصَّلَوةَ}، يقول: وأدوا ما فرض الله عليهم من الصلاة بحدودها، وأعطوا الزكاة التي أوجبها الله عليهم في أموالهم أهلها، {فَخَلُّواْ سَبِيلَهُمْ}،


(١) تطهير الاعتقاد (ص ٦٧).
(٢) الفتاوى الكبرى (٥/ ٢٤٩).