للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

طعامه وشرابه" (١).

فأشار إلى أن توحيد الربوبية لا يكفي في اعتبار الإسلام، وإن كان لا بد منه، إذ لا يصح توحيد الألوهية إلا به، فهو كالأساس الذي يبنى عليه.

ويؤكد -الإمام المجدد- الشيخ محمد بن عبد الوهاب هذا المعنى بقوله: "وعرفت أن إقرارهم بتوحيد الربوبية لم يدخلهم في الإسلام، وأن قصدهم الملائكة والأنبياء والأولياء يريدون شفاعتهم والتقرب إلى الله تعالى بهم هو الذي أحل دماءهم وأموالهم، عرفت حينئذٍ التوحيد الذي دعت إليه الرسل، وأبى عن الإقرار به المشركون، وهذا التوحيد هو معنى قولك لا إله إلا الله؛ فإن الإله عندهم هو الذي يقصد لأجل هذه الأمور؛ سواء كان ملكًا أو نبيًا أو وليًا أو شجرة أو قبرًا أو جنيًا، لم يريدوا أن الإله هو الخالق الرزاق المدبر" (٢).

بل إن مشركي العرب مع إقرارهم بتوحيد الربوبية كانت لهم عبادات يفعلونها لله تعالى كالحج والصدقة وإخلاص الدعاء حال الشدة، وكان لهم نصيب من محبة الله تبارك وتعالى كما قال عَزَّ وجَلَّ: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا وَأَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعَذَابِ (١٦٥)} [البقرة: ١٦٥].

قال الزجاج في معنى الآية: "يحبون الأصنام كما يحبون الله؛ لأنهم أشركوها مع الله فسووا بين الله وبين أوثانهم في المحبة" (٣).

لكن هذا الإقرار وهذه العبادات التي يفعلونها لم تنفعهم عند الله تبارك وتعالى؛ لأنَّهم لم يخلصوا العبادة له عَزَّ وجَلَّ.


(١) طريق الهجرتين (ص ٩٨).
(٢) مؤلفات محمد بن عبد الوهاب في العقيدة (١٥٤).
(٣) تفسير البغوي (١/ ١٣٦).