ثانيًا: أن عدم انتفاع المشركين بإقرارهم بتوحيد الربوبية بسبب أنهم لم يأتوا بلازمه؛ إذ إن توحيد الربوبية يستلزم توحيد الألوهية كما سيأتي بيانه، فإذا تخلف توحيد العبادة ولم يحصل دلَّ ذلك على عدم اعتبار توحيد الربوبية، إذ لو كان نافعًا لأتى بلازمه من توحيد العبادة.
يقول الإمام الصنعاني:"ومع هذا كله فهم مقرون لله تعالى بالربوبية، وأنه الخالق، ولكنهم لما أشركوا في عبادته جعلهم مشركين ولم يعتد بإقرارهم هذا؛ لأنَّه نافاه فعلهم، فلم ينفعهم الإقرار بتوحيد الربوبية، فمن شأن من أقر لله تعالى بتوحيد الربوبية أن يفرده بتوحيد العبادة، فإذا لم يفعل ذلك فالإقرار الأول باطل. وقد عرفوا ذلك وهم في طبقات النار فقالوا: {تَاللَّهِ إِنْ كُنَّا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (٩٧) إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ (٩٨)} [الشعراء:٩٧، ٩٨] مع أنهم لم يسووهم به من كل وجه، ولا جعلوهم خالقين ولا رازقين، لكنهم علموا إذ صاروا في النار وهم في قعر جهنم أن خلطهم الإقرار بذرة من ذرات الإشراك وعدم توحيد العبادة صيرهم كمن سوى بين الأصنام وبين ربّ الأنام.
ثالثًا: في القاعدة رد على أهل الكلام والتصوف الذين جعلوا من أتى بتوحيد الربوبية فقد أتى بالإسلام التام، وصار من المؤمنين الذين يستحقون الجنة والنجاة من النار، ولا شك في بطلان هذا الزعم؛ لأن هذا التوحيد لو كان كافيًا في أصل الإسلام لكفى المشركين الذين أقروا به.
يقول شيخ الإسلام في معرض رده على المتكلمين: "وأدخلوا في التوحيد والإسلام أمورًا باطلة ظنوها من التوحيد وهي تنافيه، وأخرجوا من الإسلام والتوحيد أمورًا عظيمة لم يظنوها من التوحيد وهي أصله، فأكثر هؤلاء المتكلمين لا يجعلون التوحيد إلا ما يتعلق بالقول والرأي واعتقاد ذلك دون ما يتعلق بالعمل والإرادة واعتقاد ذلك، بل التوحيد الذي لا بد منه لا يكون إلا بتوحيد الإرادة والقصد، وهو توحيد العبادة،